تعمل الدولة المصرية في السنوات الأخيرة على إعادة رسم ملامح سياستها التجارية والاستثمارية، في إطار رؤية طموحة تهدف إلى تعزيز موقع مصر على خريطة الاقتصاد العالمي. وجاء إعلان وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية عن إعداد وثيقة السياسة التجارية الشاملة ليؤكد التوجه المصري نحو بناء منظومة متكاملة تقوم على التكامل بين التجارة والاستثمار، وتحقيق التوازن بين النمو الصناعي والانفتاح التجاري، بما يواكب التحولات الاقتصادية الدولية بعد سلسلة من الأزمات الجيوسياسية والمالية التي أثرت على سلاسل الإمداد والتجارة العالمية.
خلال مشاركته في النسخة الثانية من منتدى القاهرة، أوضح مساعد وزير الاستثمار والتجارة الخارجية للتخطيط والتطوير والتحول الرقمي، المهندس محمد الجوسقي، أن الوثيقة الجديدة تمثل خطوة استراتيجية تستهدف بناء قاعدة صلبة للنمو الاقتصادي، من خلال الاعتماد على إصلاحات هيكلية وتشريعية تعزز تنافسية الاقتصاد المصري وقدرته على جذب الاستثمارات عالية القيمة.
6 محاور رئيسية لبناء سياسة تجارية جديدة
تتضمن الوثيقة ستة محاور رئيسية تعكس التوجهات الجديدة للاقتصاد المصري:
- المحور الأول يركز على تقليل العجز في الميزان التجاري عبر تعظيم الصادرات وتوسيع القاعدة الإنتاجية المحلية بما يعزز قدرة الدولة على تحقيق التوازن في حركة التجارة الخارجية.
- المحور الثاني يقوم على تعميق الصناعة المحلية وربطها بسلاسل القيمة العالمية، مع توجيه الاستثمارات نحو الصناعات ذات المكون المحلي المرتفع.
- أما المحور الثالث فيتعلق بدمج الاستثمار مع التجارة ضمن إطار نمو متكامل، بحيث تصبح المشروعات الاستثمارية رافدًا مباشرًا للصادرات وتعزيز الإنتاج الصناعي.
- المحور الرابع يهدف إلى جذب الاستثمارات ذات القيمة المضافة العالية، بما يعزز دور مصر كمركز إقليمي للصناعة والتصدير إلى الأسواق الإفريقية والعربية والدولية.
- المحور الخامس يركز على حماية الصناعة المحلية بآليات تجارية عادلة متوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية، من خلال سياسات تضمن المنافسة النزيهة وتحمي المنتج الوطني من الممارسات الضارة.
- أما المحور السادس فيعنى بتسهيل التجارة وتعزيز التنافسية عبر إصلاحات تشريعية وهيكلية تقلل من زمن وتكلفة الإجراءات الجمركية واللوجستية وتدعم التحول الرقمي الكامل في منظومة التجارة.
إصلاحات اقتصادية ملموسة تهيئ البيئة الجديدة
ترافق هذه السياسة مع سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الدولة خلال السنوات الأخيرة، والتي ساهمت في تحسين مؤشرات الأداء الاقتصادي. فقد نجحت وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية في خفض زمن الإفراج الجمركي من 16 يومًا في بداية العام إلى 5.8 أيام فقط، ما وفر نحو 1.5 مليار دولار من تكاليف التأخير، الأمر الذي انعكس إيجابًا على حركة التجارة والتصدير، وساعد في تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب في السوق المصرية.
كما تواصل الوزارة جهودها في التحول الرقمي الكامل لمنظومة التجارة الخارجية من خلال تطوير المنصات الإلكترونية الموحدة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وربط الهيئات والجهات المختلفة في إطار تفاعلي يحقق الشفافية وسرعة اتخاذ القرار.
تكامل بين الاستثمار والصناعة والتجارة
تسعى الوثيقة إلى تحقيق التكامل بين الاستثمار والتجارة والصناعة باعتبارها مكونات أساسية للنمو الاقتصادي الشامل، حيث تعمل الدولة على جذب الاستثمارات الموجهة للتصنيع المحلي بهدف رفع القيمة المضافة، وتعزيز الصادرات ذات الجودة العالية، بما يسهم في خلق فرص عمل وزيادة الدخل القومي.
وتعكس الوثيقة رؤية متقدمة تواكب التحولات العالمية نحو الاقتصاد الأخضر والرقمي، إذ تستهدف مصر توجيه الاستثمارات نحو القطاعات المستدامة مثل الطاقة المتجددة، والتصنيع منخفض الانبعاثات، والخدمات اللوجستية الذكية، ما يجعلها لاعبًا محوريًا في النظام الاقتصادي الجديد الذي يقوم على الكفاءة والتنوع والاستدامة.
دور مصر في إصلاح النظام التجاري العالمي
أكد مساعد وزير الاستثمار أن مصر تؤمن بأهمية العمل التعددي والتعاون الدولي في مواجهة التحديات الاقتصادية، مشيرًا إلى أن القاهرة تدعم إصلاح قواعد وسياسات الاقتصاد العالمي بما يضمن العدالة والتنافسية بين الدول، ويرسخ مبدأ الشراكة العادلة في التجارة الدولية.
وأضاف أن الدولة ستواصل مسيرة الإصلاح الاقتصادي لزيادة قدراتها التنافسية، وتعزيز مكانتها ضمن النظام الاقتصادي العالمي الجديد، عبر تطوير سياسات تجارية مرنة، ومواصلة التفاوض على اتفاقيات تفتح أسواقًا جديدة أمام الصادرات المصرية، مع التركيز على الأسواق الإفريقية والآسيوية التي تمثل فرصًا واعدة للنمو.
نحو مرحلة جديدة من الريادة الاقتصادية
تأتي وثيقة السياسة التجارية الشاملة لتضع خريطة طريق واضحة لمستقبل الاقتصاد المصري، تجمع بين الاستدامة والانفتاح، وتعيد صياغة دور الدولة كمحور رئيسي في التبادل التجاري الإقليمي والدولي.
ومن المتوقع أن تسهم هذه الوثيقة في تحويل مصر إلى مركز رئيسي للصناعة والتصدير، وأن تخلق بيئة أعمال أكثر استقرارًا وشفافية تدعم المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء، في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تحولات جذرية نحو أنماط أكثر تكاملًا وتنافسية.










0 تعليق