تشهد أسواق العملات المشفرة حالة من الارتباك الحاد، بعدما تراجعت أسعار عدد من الأصول الرقمية الكبرى بشكل مفاجئ، وسط ضبابية تحيط بمستقبل القطاع ككل، وبينما يترقب المستثمرون إشارات من البنوك المركزية واتجاهات السيولة العالمية، تتزايد المخاوف من موجة انهيار جديدة قد تعصف بالمكاسب التي حققتها السوق مؤخرًا، لتبقى الأسئلة مطروحة حول القوى التي تحرّك هذا السباق الغامض في عالم العملات الرقمية.
وتراجعت أسعار بتكوين اليوم الأربعاء الموافق 29 أكتوبر الجاري، وسط حالة من الحذر في الأسواق قبيل اجتماع مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالى الأمريكي، حيث انخفضت بتكوين بنسبة 1% لتصل إلى 112,819.3 دولار.
ويُرجع محللون هذا التراجع إلى مزيج من العوامل، أبرزها تشديد السياسات النقدية عالميًا، وتراجع شهية المخاطرة لدى المستثمرين مع ارتفاع عوائد السندات الأمريكية، إلى جانب المخاوف المتزايدة من إجراءات رقابية جديدة قد تفرضها الجهات التنظيمية على سوق الأصول الرقمية. كما أشار بعض المراقبين إلى أن عمليات جني الأرباح من قبل الصناديق الكبرى ساهمت في زيادة الضغوط البيعية خلال الساعات الماضية.
ويرى خبراء أن مستقبل العملات المشفرة بات مرتبطًا بشكل وثيق بالقرارات الاقتصادية العالمية، خاصة تلك الصادرة عن الفيدرالي الأمريكي، إذ تؤدي أي إشارات نحو رفع الفائدة أو تشديد السياسة النقدية إلى تراجع جاذبية الأصول عالية المخاطر، وفي مقدمتها العملات الرقمية. وبينما يترقب المستثمرون نتائج الاجتماع المرتقب للفيدرالي، تبقى الأسواق في حالة ترقب حذر، وسط تساؤلات عريضة حول ما إذا كانت هذه الهزة مجرد تصحيح مؤقت أم بداية لموجة انهيار جديدة تُعيد رسم خريطة سوق الكريبتو في الأشهر المقبلة.
في المقابل، يرى فريق آخر من المحللين أن التراجعات الحالية قد تمثل “استراحة فنية” في مسار تصاعدي أطول مدى، خصوصًا مع استمرار اهتمام المؤسسات المالية الكبرى بتقنيات البلوك تشين وتوسع استخدامها في المعاملات المصرفية حول العالم. ويستند هؤلاء إلى مؤشرات تدفق استثمارات جديدة في بعض الصناديق المتخصصة في الأصول الرقمية، معتبرين أن أي هبوط مؤقت قد يشكل فرصة للشراء عند مستويات منخفضة.
ومع اقتراب نهاية العام، يظل المشهد ضبابيًا، إذ يتقاطع العامل الاقتصادي مع الجيوسياسي والتكنولوجي في رسم ملامح المرحلة المقبلة لسوق العملات المشفرة. فبينما تراهن بعض الحكومات على تحويل العملات الرقمية إلى أدوات مالية منظمة تدعم الاقتصاد، يخشى آخرون من تفاقم المخاطر المرتبطة بها، وعلى رأسها التقلبات العنيفة وغسل الأموال. وفي ظل هذا التباين، يبقى السؤال الأبرز: من يمتلك القدرة فعلًا على قيادة هذا السباق الغامض، وإلى أين تتجه بوصلة السوق في عالم لا يعترف بالثبات؟












0 تعليق