الجميع يبحث الآن عن حل أنيق لمشكلة قديمة، وهنا كل الاحتمالات مفتوحة، وفى لحظة عدم اليقين هذه من الصعب أن نفهم الجيد من السيئ حتى تتضح الرؤية. فى شرم الشيخ برز مشهد جديد، وهو دخول تركيا على خط غزة، برعاية أمريكية.
والحقيقة أنه كانت هناك مؤشرات، بداية من اجتماع ترامب وأردوغان، مرورًا بالدخول الرسمى لرئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين فى محادثات شرم الشيخ، وصولًا إلى دور أنقرة فى إقناع حماس بالإفراج عن الرهائن فى غضون ٧٢ ساعة، وهو ما حدث بسبب نفوذ تركيا على حماس، وهو ما حدث، أيضًا، بسبب استضافة تركيا لحماس وتسهيل شئونها اللوجستية والتمويلية، ما مكّن أنقرة من الضغط على الحركة، وبالتالى إتمام الاتفاق.
كما يبدو أن تركيا لا تحاول الانسحاب من اللعبة، فوجودها فى المشهد يحقق لها عدة أهداف على كل الأصعدة، فسياسيًا يمنح ذلك أنقرة فرصة لإعادة تموضع كوسيط إقليمى مؤثر.
واقتصاديًا، قد يسهم فى إنهاء قضية قانونية ضد بنك تركى حكومى متورط فى انتهاكات العقوبات الأمريكية على إيران.
وعسكريًا، قد يساعد أنقرة فى إعادة قبولها فى برنامج مقاتلات «إف-٣٥»، علاوة على ذلك تحديث طائرات «إف-١٦» القديمة باستخدام حزمة بلوك ٧٠، وشراء عدة أسراب جديدة من طائرات «إف-١٦» بلوك ٧٠، من خطوط الإنتاج الأمريكية، حيث رفضت واشنطن الصفقة بسبب قرب تركيا من روسيا، كما أن امتلاكها بطاريات «إس-٤٠٠» الروسية المضادة للطائرات، يمنع الولايات المتحدة من بيعها طائرات «إف-٣٥».
لكن يبدو أن الأمريكيين سينظرون فى الموافقة على بيع مجموعات بلوك ٧٠ لتحديث الأسطول الحالى، إلى جانب بيع سربين أو أكثر من طائرات «إف-١٦» الجديدة.
على الصعيد الجيوسياسى، فإن الوجود التركى فى غزة سيمنح تركيا سيطرةً مباشرة على الحدود الشمالية والجنوبية لإسرائيل «عبر سوريا وغزة»، فضلًا عن إعادة تمركز قد تؤثر على الصراع البحرى على السيادة فى البحر الأبيض المتوسط ضد اليونان وقبرص.
ومن الناحية الأيديولوجية، فإن فى قلب الأتراك يوجد ركن خاص لحماس، ويرون فيها رصيدًا لهم، ولذلك يسعون جاهدين لصياغة واقع جديد فى غزة يتماشى مع مصالحهم، وفى الوقت نفسه يكون سهل الاستيعاب من قِبل ترامب، فتركيا لا تزال حاضنة لحماس، فإذا اضطرت قطر لطرد قيادة حماس من أراضيها، فسينتقلون إلى تركيا، وفى كل الأحوال يوجد عناصر الحركة من الرُتب الدنيا فى أنقرة وإسطنبول، ويتنقلون جوًا بين قطر وتركيا.
من وجهة نظر حماس، يُعدّ نفوذ الدولتين «قطر وتركيا» ووجودهما، حتى وإن كان محدودًا، خبرًا سارًا. حيث سيسهل للحركة الحصول على «أجزاء» من المساعدات التى ستُوجّه إلى غزة.
إسرائيل لا تغفل كل ما سبق، وستحاول قطع الطريق على تركيا. وبصراحة أعلن نتنياهو عن معارضته أى دور لقوات الأمن التركية فى غزة، وذلك خلال مؤتمر صحفى عقده إلى جانب نائب الرئيس الأمريكى، جيه دى فانس، الذى زار إسرائيل مؤخرًا.
ردًا على سؤال حول فكرة وجود قوات أمنية تركية فى غزة، قال نتنياهو: «سنتخذ قرارًا مشتركًا بشأن ذلك. لدىّ آراء قوية جدًا بشأن ذلك. هل تريدون تخمين ماهيتها؟».
بينما قال «فانس» إنه يرى «دورًا بنّاءً» لتركيا مع تقدم الهدنة نحو المرحلة التالية، لكنه أوضح أيضًا ردًا على سؤال من صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، قائلًا: «لن نفرض أى شىء على أصدقائنا الإسرائيليين فيما يتعلق بوجود قوات أجنبية على أراضيهم».
التدخل الخارجى فى غزة هو أمر مزعج لإسرائيل، ووجود الأتراك تحديدًا على الخط هو كابوس لنتنياهو، فمن ناحية هو تحدٍ محتمل لحرية عمل القوات الإسرائيلية، خاصةً إذا كان القطاع مكتظًا بالقوات الأجنبية، حتى لو على نطاق محدود، وثانيًا، كقلق من ترسيخ عناصر من شأنها أن تساعد فى إعادة بناء قدرات حماس. فماذا ستفعل إسرائيل؟
أولًا طريقة تفكيك المحور الشيعى لن تنجح مع تركيا، فلا يمكن عزل أنقرة عن واشنطن، ولا يمكن «كسرها» بالعقوبات ولا حتى المواجهة العسكرية لكونها دولة عضوًا فى الناتو. لكن بإمكان إسرائيل بخبرتها فى سوريا التضييق عليها ومضايقتها، ومنعها تمامًا من دخول غزة عبر الأمريكيين.. وهو ما قد نراه الأيام المقبلة.










0 تعليق