قال الباحث المتخصص في الشأن الإيراني وجدان عبدالرحمن، إن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الضربات الأمريكية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، إلى جانب عودة العقوبات الأممية بعد تفعيل "آلية الزناد"، أحدثت هزة اقتصادية عميقة داخل إيران، وشهدت العملة الإيرانية انهيارًا متسارعًا، ما يعكس حجم التأثر المباشر للاقتصاد المحلي بالضغوط الخارجية.
تداخل العامل العسكري مع الاقتصادي جعل الأزمة أكثر تعقيدًا
وأضاف عبدالرحمن في تصريحات لـ"الدستور"، أن تداخل العامل العسكري مع الاقتصادي جعل الأزمة أكثر تعقيدًا، حيث أصبح واضحًا أن استمرار الضربات والعقوبات الدولية يقوض استقرار السوق الإيرانية ويعمق التحديات المعيشية للمواطنين.
وأشار إلى أن هناك مواقف لافتة برزت من داخل التيار السياسي الإيراني نفسه، حيث دعا الرئيس الأسبق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف إلى الانخراط في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، في إشارة إلى اتساع دائرة الخلاف داخل النخبة الحاكمة حول كيفية التعامل مع الضغوط الأمريكية.
وأوضح أنه رغم حرص النظام الإيراني على إظهار تماسكه الداخلي وصلابة موقفه السياسي، فإن التصريحات العلنية تعكس عمق الانقسام المتنامي داخل مؤسسات الحكم، ومن الواضح أن الضربات الأمريكية والعقوبات الأممية، إلى جانب الهجمات الإسرائيلية المتكررة، تركت تأثيرًا سلبيًا مزدوجًا على الاقتصاد والسياسة في إيران، ما يجعل المرحلة المقبلة أكثر حساسية وتعقيدًا في مسار النظام الإيراني وعلاقاته الخارجية.
النفوذ الإيراني في المنطقة يشهد تراجعًا ملحوظًا
وأكد عبدالرحمن أن النفوذ الإيراني في المنطقة يشهد تراجعًا ملحوظًا، إذ إن هذا النفوذ كان يعتمد بشكل أساسي على الدعم المالي والعسكري والإعلامي الذي توفره طهران لأذرعها في الخارج، ومع عودة العقوبات الأممية وتشديد الخناق الاقتصادي، بدأت إيران تواجه نقصًا حادًا في العملة الصعبة، وهو ما انعكس بشكل مباشر على قدرتها على تمويل تلك الأذرع، التي كانت تكلفها مئات الملايين من الدولارات سنويًا.
فقدان الأذرع
وتابع أن الضربات الأمريكية الأخيرة، إلى جانب القيود الدولية المتزايدة، حدت من قدرة إيران على إدارة نفوذها الإقليمي، وأضعفت الأذرع التي كانت تعتمد عليها في مناطق متعددة من الشرق الأوسط، ففي لبنان تراجع نفوذ حزب الله بشكل كبير، خاصة بعد خسارته زعيمه حسن نصرالله، حيث كان الحزب يتمتع سابقًا بدعم مالي وعسكري وسياسي مكثف من طهران، ويسيطر إلى حد كبير على القرار السياسي اللبناني، كما كانت مؤسساته المالية مثل القرض الحسن وشركاته الاقتصادية نشطة في الداخل اللبناني، لكنها تراجعت بفعل الضغوط والعقوبات وتغير المشهد السياسي بعد اغتيال نصرالله.
سقوط نظام بشار الأسد في سوريا شكّل ضربة قاصمة لإيران
وأكمل أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا شكّل ضربة قاصمة لإيران، إذ كانت دمشق تمثل القاعدة الأساسية لتمدد النفوذ الإيراني ودعم ميليشياته في المنطقة، ومع تراجع النظام تراجعت معه قدرة طهران على إدارة وجودها العسكري والسياسي هناك.
واستطرد أنه في العراق، تراجعت مكانة المجموعات الموالية لإيران تحت ضغط التهديدات الأمنية المباشرة من الداخل والخارج، إضافة إلى العجز المالي الإيراني عن تمويلها، كما ساهم الضعف السياسي في طهران، واختباء عدد من كبار القادة الأمنيين، بمن فيهم عناصر من فيلق القدس، في إضعاف قدرتهم على التحرك والتأثير كما في السابق.
وبين عبدالرحمن أنه بناء على ذلك فإن العقوبات الدولية، والضربات الأمريكية، والتهديدات الغربية المتواصلة ضد الجماعات الموالية لإيران، كلها عوامل اجتمعت لتقليص النفوذ الإيراني الإقليمي، الذي يمر اليوم بأضعف مراحله منذ عقدين.
انتهاء النووي الإيراني
وكشف عن أن الملف النووي الإيراني بات أقرب إلى الماضي، خاصة بعد الرسالة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، والتي تضمنت أحد عشر شرطًا لإعادة التفاوض مع طهران، وجاء في مقدمة هذه الشروط وقف تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية بالكامل، أو ما وصفه ترامب بسياسة تصفير التخصيب.
وأوضح عبدالرحمن أن ترامب أعاد لاحقًا التأكيد على هذا المطلب ضمن 4 شروط نهائية، اعتبرتها طهران تعجيزية وغير قابلة للتفاوض، إذ تضمنت تفكيك المنشآت النووية الإيرانية ووقف أي نشاط مرتبط بالتخصيب داخل إيران، والتخلي عن دعم الجماعات الموالية لطهران في المنطقة، وتقليص نفوذها الخارجي، والحد من برنامج الصواريخ الباليستية بحيث لا يتجاوز مدى الصواريخ الإيرانية 500 كيلومتر، والاعتراف بإسرائيل كشرط نهائي لأي تفاوض مستقبلي.
وأشار إلى أن هذه المطالب وضعت إيران أمام معادلة مستحيلة سياسيًا، إذ تمس جوهر عقيدتها العسكرية والأمنية، ما جعل القيادة الإيرانية تعتبر الرسالة محاولة لإخضاع النظام لا للتفاوض معه.
واختتم بالقول، إنه يمكن القول إن الملف النووي الإيراني عمليًا انتهى منذ تلك الرسالة الأولى التي بعثها ترامب إلى خامنئي، إذ شكلت نقطة تحول حاسمة نقلت المسألة من مرحلة التفاوض حول التخصيب إلى مرحلة فرض الشروط الكاملة على طهران، والأمر الذي جعل المشروع النووي الإيراني يفقد زخمه السياسي والدبلوماسي في الساحة الدولية.









0 تعليق