تستعد مصر لحدث استثنائى غير مسبوق، فى بداية نوفمبر المقبل، يتمثل فى افتتاح المتحف المصرى الكبير، المشروع الثقافى الأبرز، الذى توليه الدولة عناية خاصة منذ سنوات، باعتباره إحدى أهم المنارات الحضارية فى العصر الحديث. ويُعد المتحف المصرى الكبير، بما يضمه من مقتنيات أثرية فريدة ومرافق علمية وثقافية متكاملة، إضافة نوعية للمشهدين السياحى والبحثى على حد سواء، وواجهة تعكس ثراء الحضارة المصرية وتنوعها عبر العصور.
ويحظى الافتتاح المرتقب بمتابعة واسعة من الأوساط المحلية والدولية، نظرًا لما يمثله المتحف من قيمة استثنائية تتجاوز حدود العرض المتحفى التقليدى؛ لتشمل بعدًا اقتصاديًا وسياحيًا كبيرًا، مع توقعات بمساهمته فى زيادة حركة الزوار الوافدين إلى مصر، وتعزيز موقعها كوجهة عالمية للثقافة والسياحة. فى هذا الإطار، تحدثت «الدستور» مع عدد من الخبراء والمتخصصين فى مجالات السياحة والآثار حول أهمية المتحف ودوره فى دعم السياحة والاقتصاد الوطنى، وما يمكن أن يحققه الافتتاح المرتقب من مردود اقتصادى وحضارى على المستويين المحلى والدولى.
مجدى سليم: صرح يرقى لأكبر متاحف العالم ويضم كنوزًا لا تقدر بثمن.. ومردوده الاقتصادى هائل
قال الدكتور مجدى سليم، وكيل وزارة السياحة سابقًا، إن المتحف المصرى الكبير يُعد صرحًا عالميًا نفتخر به جميعًا، خاصة أن العمل المتحفى الذى تم تنفيذه بداخله يرقى إلى أرقى المتاحف الموجودة فى العالم بأسره.
وأضاف «سليم»: «المتحف المصرى الكبير سيكون له تأثير إيجابى واسع على استقدام السياح من مختلف أنحاء العالم، خاصة المهتمين بالقطع الأثرية والتاريخية النادرة، مثل كنوز الملك توت عنخ آمون»، مؤكدًا أن العرض المتحفى لتلك الكنوز يتم بأقصى درجات الرقى، ما يحقق مردودًا اقتصاديًا ضخمًا وهائلًا.
وواصل الخبير السياحى: «جذب السائح لا يمكن أن يتم دون دعاية مقنعة وواسعة النطاق تستهدف الفئات المهتمة بالعروض المتحفية الراقية»، مشددًا على أهمية وضع خطة كبرى للترويج للمتحف المصرى الكبير؛ باستخدام وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعى على مستوى العالم.
وأكمل وكيل وزارة السياحة سابقًا: «هناك قاعات عديدة داخل المتحف يمكن استغلالها لإقامة حفلات ومهرجانات تستقطب السائحين»، مستشهدًا بتجربة عروض الأوبرا التى أُقيمت فى المتحف وحققت صدى واسعًا على المستوى العالمى.
وتابع: «من ضمن التجارب الناجحة فى الماضى التى ساعدت فى تنشيط السياحة، تنظيم رحلات طيران شارتر للسائحين العرب لحضور عروض فنية والعودة فى اليوم نفسه، وتكرار هذه التجارب مع المتحف الكبير سيؤدى إلى زيادة الإقبال السياحى».
ونبه «سليم» إلى أهمية تنظيم رحلات «مهنية» للصحافة المتخصصة فى السياحة من الدول المستهدفة لزيارة المتحف ونقل صورة ذهنية إيجابية عنه إلى بلدانهم، معتبرًا أن هذه الطريقة كانت من أنجح وسائل الدعاية التى استخدمتها هيئة تنشيط السياحة سابقًا.
وأشار، كذلك، إلى أهمية استضافة المدونين والمؤثرين أصحاب المتابعات الكبيرة على مواقع التواصل الاجتماعى لتعزيز الدعاية العالمية للمتحف، مؤكدًا أن ذلك سيحقق مردودًا اقتصاديًا كبيرًا لمصر من هذا المشروع الضخم الذى تكلف الكثير.
وشدد على أن دعوة رؤساء وملوك لحضور يوم الافتتاح، ستكون بمثابة دعاية دولية كبرى لهذا الصرح، مضيفًا: «المتحف يوفر تجربة متكاملة للزائر، بما فى ذلك المحال التجارية المتنوعة التى تبيع الهدايا التذكارية، إضافة إلى الإطلالة المميزة من الشرفة العلوية لقاعات توت عنخ آمون على أهرامات الجيزة، التى تمنح السائحين فرصة التقاط صور تذكارية فريدة».
بسام الشماع: يضم أقدم آثار فى تاريخ مصر
قال المؤرخ والمحاضر الدولى فى علم المصريات والخبير السياحى، بسام الشماع، إن المتحف المصرى الكبير مشروع عالمى ينتظره العالم كله بلا مبالغة، مشيرًا إلى أن تأجيل افتتاحه أكثر من مرة زاد من شغف وفضول العالم تجاهه.
وأكد أن هذا الصرح سيكون له دور بارز فى انتعاش السياحة والاقتصاد المصرى باعتبار السياحة القاطرة الأولى للاقتصاد، مشيرًا إلى أنه يعد من أضخم المبانى على مستوى العالم وتكلفة بنائه وصلت مليارًا ونصف المليار دولار، ما يعكس قيمته الاستثنائية.
وأوضح أن تصميم المتحف يبرز من خلال وجود «المسلة المعلقة» التى تعد الأولى من نوعها عالميًا، حيث تستقبل الزائر قبل الدخول إلى قاعات العرض، ما يتيح رؤية النقوش والرموز أسفلها.
كما أن الشكل الهرمى حاضر فى تصميم المبنى والمدخل، الذى يحاكى فتحة هرمية محاطة بأسماء الملوك داخل خراطيش ملكية، ما يوفر فرصة لتعليم الزوار الرموز الهيروغليفية والتعرف على أسماء ملوك وملكات مصر القديمة.
وأشار المؤرخ والمحاضر الدولى فى علم المصريات إلى أن الزائر يستقبله تمثال رمسيس الثانى العملاق بوزن ٨٣ طنًا، يليه الدرج العظيم الذى يقود إلى إطلالة مميزة على أهرامات الجيزة، بالإضافة إلى قاعات تضم أقدم آثار فى تاريخ مصر تعود إلى نحو ٧٠٠ ألف عام، ما يثبت أن حضارة مصر أقدم بكثير من ٧ آلاف سنة كما هو شائع.
وأكد أن من بين القطع المهمة تمثالًا ملكيًا من سقارة، يُعد أول محاولة لنحت تمثال بالحجم الطبيعى فى مصر القديمة، ويرجع إلى حوالى ٢٨٠٠- ٣٠٠٠ قبل الميلاد.
عمارى عبدالعظيم: رافد قوى للسياحة يجذب ملايين الزوار
قال عمارى عبدالعظيم، الخبير السياحى رئيس شعبة السياحة والطيران بالغرفة التجارية سابقًا، إن المتحف المصرى الكبير يُعد واحدًا من أهم مشروعات الدولة الضخمة التى أُنشئت بطرق وأنظمة حديثة، موضحًا أن المشروع يسهم فى تيسير تجربة السائح داخل مصر من خلال الاعتماد على التكنولوجيا الجديدة، سواء فى العروض أو الخدمات المقدمة، ما يجعل منه رافدًا رئيسيًا يفيد القطاع السياحى بجميع فئاته.
وأضاف «عبدالعظيم» أن الدولة أولت المتحف اهتمامًا كبيرًا من خلال حملات دعائية ودعوات رسمية، والعالم يترقب هذا الحدث، حيث سينقله الإعلام العالمى ومنصات التواصل لحظة بلحظة، ما يمنح السياحة المصرية دفعة كبيرة ويحقق رواجًا واسعًا.
وتابع: «المتحف المصرى الكبير قادر على جذب ملايين الزوار من الخارج، بشرط أن تنعم المنطقة بالاستقرارين السياسى والأمنى»، لافتًا إلى أن التوقعات تشير إلى طفرة سياحية بمجرد افتتاح المتحف والإعلان عنه عالميًا، حيث سيتوافد السياح من مختلف أنحاء العالم.
وأشار إلى أن نظام التأشيرات بحاجة لإعادة هيكلة جذرية، موضحًا أن النموذج الأمثل يتمثل فى أن تكون التأشيرات السياحية صادرة حصريًا عن شركات السياحة المصرية عبر وزارة السياحة، ثم تُعرض على الأجهزة المختصة لمراجعتها أمنيًا، ليُعاد اعتمادها فى أقل من ٢٤ ساعة، ما يحمى الأمن القومى ويمنع منح التأشيرات لمن يُشتبه فى انتمائهم لجماعات إرهابية.
وأضاف: «أطالب بأن تكون التأشيرة صالحة لكل أنحاء مصر، وألا تُحصر فى وجهات معينة مثل جنوب سيناء أو البحر الأحمر، فهذا يضر بالقطاع ويحد من حرية الحركة السياحية».
وأكد أن تطبيق هذا النظام سيشجع ٩٠٪ من شركات السياحة المصرية على جذب أسواق جديدة من آسيا والصين وإفريقيا، وغيرها، بدلًا من الاعتماد على السوق الأوروبية وحدها، لافتًا إلى أن وضع معايير واضحة سيُمكّن مصر من التعامل مع جميع الدول على أسس مهنية، بعيدًا عن الاستثناءات.
0 تعليق