ميلاد موسيقار العروبة
في مثل هذا اليوم، ولد الموسيقار والمطرب العربي الكبير فريد الأطرش في 19 أكتوبر عام 1910 بمدينة القريا في جبل العرب بسوريا، لعائلة درزية عريقة، كان والده فهد الأطرش أحد وجهاء الجبل، ووالدته علياء المنذر امرأة قوية الإرادة وصاحبة صوت جميل، ستصبح لاحقًا السند الأول في حياته الفنية.
مع اندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925، اضطرت الأسرة إلى الهجرة إلى مصر هربًا من بطش الاحتلال الفرنسي، وهناك بدأت رحلة فريد مع الفن، وسط معاناة الغربة والفقر، لتصقل تلك التجربة وجدانه بالحزن والشجن اللذين سيصبحان لاحقًا سمة صوته وألحانه.
البدايات الفنية ومعاناة الصعود
في مصر، التحق فريد بمدرسة الفرير الفرنسية بالقاهرة، لكنه اضطر للعمل في سن مبكرة لإعالة أسرته، عمل في العزف على العود في الإذاعة، ثم انضم إلى فرقة بديعة مصابني كمطرب وعازف، وهناك صقل موهبته واكتسب الخبرة المسرحية.
تعرف على محمد عبد الوهاب الذي شجعه على التلحين والغناء، فبدأت ملامح موهبته تتجلى بأغانيه الأولى مثل يا ريتني طير وبحب من غير أمل، ورغم الصعوبات التي واجهها كمهاجر عربي في مصر، إلا أن إصراره وصوته العذب جعلاه يحجز مكانه بين كبار الطرب في الوطن العربي.
السينما تصنع مجده
مع دخول الثلاثينيات والأربعينيات، اتجه فريد الأطرش إلى السينما، فكانت بوابته الكبرى إلى المجد، بدأ بفيلم "انتصار الشباب" (1941) مع شقيقته أسمهان، الذي حقق نجاحًا كبيرًا، ثم توالت أفلامه مثل:
حبيب العمر (1947)
أحبك أنت (1949)
لحن الخلود (1952)
رسالة غرام (1954)
ودعت حبك (1957)
الخروج من الجنة (1967)
في هذه الأفلام، قدم فريد عشرات الأغاني الخالدة التي أصبحت جزءًا من ذاكرة الطرب العربي، مثل قلبي ومفتاحه، الربيع، حكاية غرامي، زمان يا حب، نجوم الليل، وودعت حبك.
كان أول من مزج بين الدراما واللحن في السينما الغنائية، وصنع مدرسة فنية متكاملة تقوم على العاطفة، والصدق، والتعبير الموسيقي العميق.
أبرز المواقف في حياته
حياة فريد الأطرش كانت سلسلة من المواقف التي شكلت شخصيته الفنية والإنسانية، نذكر من أبرزها:
فقدان الوطن والأخت أسمهان:
رحيل شقيقته المطربة أسمهان في حادث غامض عام 1944 ترك جرحًا لا يندمل في قلبه، وجعله يعيش الحزن كرفيق دائم، حتى قيل إنه "غنى أجمل ألحانه من قلب مكسور".
خلافه مع أم كلثوم:
رغم محاولاته العديدة لتلحين أغنية لكوكب الشرق، إلا أن التعاون بينهما لم يتم بسبب خلافات فنية، لكنه ظل يعبر عن إعجابه الشديد بصوتها.
الوفاء لعبد الحليم حافظ:
حين اتهم عبد الحليم حافظ بالغرور في بداياته، دافع عنه فريد قائلًا: “هذا الشاب سيكون مستقبل الغناء”، وكان أول من دعمه علنًا في الإذاعة، رغم المنافسة الكبيرة بينهما.
أزماته الصحية ورحلته مع المرض:
أصيب فريد بمرض في القلب منذ الخمسينيات، لكنه استمر في العمل رغم تحذيرات الأطباء، كان يقول دائمًا: “العود هو دوائي”، واستمر في العزف والغناء حتى أيامه الأخيرة.
موقفه القومي:
كان فريد الأطرش فنانًا قوميًا بطبعه، دعم القضايا العربية من خلال أغانيه الوطنية مثل بلدي أحببتك يا بلدي وأمجاد يا عرب أمجاد، ما جعله يلقب بـ"صوت العروبة الخالد".
ألحانه الخالدة ومكانته الفنية
ألف فريد الأطرش أكثر من 400 لحن، غناها لنفسه ولعدد من كبار المطربين مثل صباح، شادية، وردة الجزائرية، فايزة أحمد، ومحرم فؤاد.
جمع في ألحانه بين الأصالة الشرقية والتجديد في الإيقاع والمقام، وكان من أوائل من أدخلوا آلات غربية في التوزيع الموسيقي العربي.
نال شهرة واسعة في الوطن العربي والعالم، وأقيمت له حفلات في لبنان، باريس، دمشق، بغداد، والكويت، وظل رمزًا للفن العربي الأصيل حتى رحيله.
رحيله وإرثه الفني
توفي فريد الأطرش في 26 ديسمبر 1974 في بيروت عن عمر يناهز 64 عامًا، بعد رحلة حافلة بالعطاء الفني والإنساني.
نقل جثمانه إلى القاهرة بناءً على وصيته، ودفن إلى جوار شقيقته أسمهان.
ظل صوته الدافئ حيًا في ذاكرة العرب، وعوده الباكي، وألحانه التي جمعت بين الوجدان الشرقي والروح الحديثة، ليبقى فريد الأطرش صوت الحنين والهوية العربية الخالدة.
0 تعليق