لم تتوقف حياة سكان العاصمة الإيرانية طهران بعد الحرب القصيرة مع إسرائيل، لكنها تمضي بخطى متثاقلة، وكأنهم تعلموا فنّ البقاء في عالم يتبدل يوميًا فبحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، يعيش الإيرانيون اليوم حالة من الترقب والقلق بعد الغارات الأمريكية والإسرائيلية في يونيو الماضي، حيث بات الخوف جزءًا من يوميات العاصمة.
فنّ مؤجل في مدينة مضطربة
في ضواحي طهران، يتدلّى فيل ضخم مصنوع من الألياف الزجاجية من سقف مصنع مهجور، كان من المفترض أن يحتضن معرضًا فنيًا قبل أن تندلع الحرب.
يقول الفنان هومايون ديهيمي، صاحب المعرض المؤجل، "كان كل شيء سرياليًا فعلًا. كأن الفن خرج من الجدران إلى الواقع، وأصبحنا جميعًا جزءًا من لوحة مرعبة."
كان ديهيمي، قد حول مصنعًا للأثاث أفلسته العقوبات إلى صالة عرض فني، يجسّد في مسيرته قصة بلد يراوح بين الإبداع المكبوت والانغلاق القسري.
قلق التغيير ومستقبل مجهول
وتابعت الصحيفة في تقريرها، تعكس تجربة ديهيمي روح إيران الحديثة، التي تعيش منذ أكثر من أربعة عقود تحت العقوبات والعزلة.
ويقول الفنان، "نعرف أن التغيير قادم لا محالة، لكننا لا نعرف كيف سيأتي ولا متى. وهذا المجهول هو أكثر ما يخيف الناس"
تمرد اجتماعي صامت
في شوارع طهران، تتجلى المفارقات الإيرانية بوضوح: الحجاب الإلزامي لا يزال قانونًا نافذًا، لكن عشرات الشابات يتحدّينه علنًا، فيما تراجع حضور الشرطة الدينية.
ورغم الرقابة المشددة على الإنترنت، تحولت تطبيقات الـVPN إلى نافذة حرية، يستخدمها الإيرانيون لكسر العزلة الافتراضية والانفتاح على العالم.
العقوبات الطويلة أفرزت اقتصادًا مزدوجًا في إيران؛ فبينما يئن الاقتصاد الرسمي تحت وطأة التضخم، تزدهر الأسواق الموازية حيث تُباع كل السلع — من الأدوية الممنوعة إلى قطع غيار السيارات الأمريكية — بالدولار أو اليورو.
الطبقة الوسطى تآكلت، والفقراء يعيشون على حافة الانهيار.
"وكر الجواسيس".. مفارقة التاريخ والحاضر
وأضافت الصحيفة الأمريكية خلال تقريرها، في قلب العاصمة، يقف مبنى السفارة الأمريكية القديمة، المعروف بـ“وكر الجاسوسية”، كشاهد على العداء الأمريكي–الإيراني، وتحوّل المبنى إلى متحف يعرض أجهزة تشفير ووثائق ممزقة وصورًا لطلبة الثورة.
لكن المفارقة تكمن في مقهى أمريكي حديث افتُتح داخل المجمع، حيث يحتسي الزوار قهوة مثلجة بينما يطل تمثال الحرية المشوّه من القاعة المجاورة — مشهد يلخص التناقض بين رفض الغرب وإدمان رموزه الثقافية.
معاناة يومية خلف واجهة الحداثة
رغم المظاهر العصرية التي تملأ شوارع شمال طهران، يعيش كثير من سكانها صراعًا قاسيًا من أجل البقاء.
سائق التاكسي سياوش نائيني (58 عامًا)، يقول “منذ الحرب، انخفض دخلي بنسبة 70%. الحكومة تشوّش إشارات الـGPS فلا أستطيع العمل. أعاني من السرطان، وأعمل لأشتري الدواء.”
وأضح أنه باع كل ما يملك ليشتري علاجه من السوق السوداء، قائلًا بمرارة:"هذه هي الحياة في طهران اليوم."
رمزية "بابي ساندز".. حين تتحول المأساة إلى علامة تجارية
في شارع يحمل اسم المناضل الإيرلندي بابي ساندز، الذي مات جوعًا في السجون البريطانية، تتجلى مفارقة أخرى.
فبينما تعتبره بريطانيا “خائنًا”، تحتفي به طهران كـ“شهيد الحرية”، إلى درجة أن السفارة البريطانية غيّرت مدخلها لتفادي العنوان.
وفي الجهة المقابلة، يزدحم مطعم “بابي ساندز برغرز” بالزبائن، حيث يقول مديره ساخرًا: "نعم، هو مات جوعًا… لكننا نكرّمه بصنع أفضل برجر في طهران."
0 تعليق