في قلب القاهرة الفاطمية حيث تختلط الأصالة بالروح تتلألأ أنوار مسجد الإمام الحسين عليه السلام كل عام احتفالًا بمولده الشريف وذكرى قدوم الرأس الطاهر إلى مصر المحروسة التي احتضنته منذ أكثر من ثمانية قرون فصار منبرًا للرحمة والبركة ومهوى أفئدة المصريين والعاشقين لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله.
السيرة قبس من نور النبوة:
الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وريحانته من الدنيا وواحد من سيدي شباب أهل الجنة، وُلد في المدينة المنورة في الثالث من شعبان سنة أربع للهجرة ونشأ في حجر جده المصطفى صلى الله عليه وآله الذي غمره بحبه وحنانه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حقه:«حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا».
وقال صلى الله عليه وآله أيضًا:«إنَّ الحَسَنَ والحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّة».
وكان عليٌّ بن أبي طالب عليه السلام يقول:«الحسين مصباحُ الهدى وسفينة النجاة».
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: «إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدًا».
هكذا ظل الحسين عليه السلام رمزًا للحق والعدل ومثالًا للفداء والإيمان حتى استُشهد في كربلاء، فارتفعت روحه الطاهرة إلى السماء وبقي نوره ساطعًا في قلوب المؤمنين إلى يوم الدين.
قصة قدوم الرأس الشريف إلى مصر:
يروي المؤرخون أن الفاطميين وقد كانوا من المحبين المخلصين لآل البيت نقلوا الرأس الشريف للإمام الحسين عليه السلام من مدينة عسقلان بفلسطين إلى القاهرة سنة 548هـ/ 1153م، بعد أن خافوا عليه من عبث الأعداء خلال الحروب الصليبية.
استُقبل الرأس الشريف في موكب مهيب عمّ أرجاء القاهرة بالفرح والدموع وأُقيم له مشهد كريم في قلب المدينة، هو مسجد الإمام الحسين عليه السلام القائم اليوم في حي الحسين بجوار الجامع الأزهر.
وقد وثّق المؤرخ تقي الدين المقريزي في «الخطط» هذه الحادثة الجليلة مشيرًا إلى أن الخليفة الفاطمي أمر ببناء المشهد تكريمًا لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وتخليدًا لقدوم الرأس الشريف.
كما ذكر غيره من المؤرخين أن نقل الرأس الشريف إلى مصر كان في احتفالٍ عظيمٍ وأن المصريين خرجوا لاستقباله بالدموع والابتهال.
ولا تزال قبة المسجد تحتضن المقام الطاهر الذي يُقال إنه يحوي الرأس الشريف، وقد صار من أقدس المواضع في القاهرة تهفو إليه القلوب وتفيض عنده العيون بالدموع.
أدلة إثبات وجود الرأس الشريف في مصر:
- الروايات التاريخية الموثقة: أجمعت المصادر الفاطمية والمصرية القديمة كالمقريزي وابن ظهيرة وغيرهما، على أن الرأس الشريف نُقل من عسقلان إلى القاهرة سنة 548هـ، ودُفن في مشهده الحالي.
- الآثار المعمارية والشواهد المادية: وجود مسجد الإمام الحسين في القاهرة منذ القرن السادس الهجري وما نقشته عليه الوثائق والكتابات التاريخية من نصوص تُشير صراحة إلى احتضان المكان للرأس الشريف.
- الاحتفال الرسمي المستمر: اهتمام الدولة المصرية المتعاقبة منذ العصر الفاطمي وحتى اليوم بإحياء ذكرى المولد والزيارة دلالة على إيمانٍ عميقٍ متوارثٍ عبر الأجيال بوجود الرأس الشريف في أرض مصر.
- الكرامات المنقولة والمتواترة: تناقل المصريون عبر القرون قصصًا عن بركات الإمام الحسين عليه السلام ومواقفه مع الزائرين مما زاد تعلق الناس بالمشهد الشريف، وترسيخ اليقين بقداسته.
مصر.. أرض الأنبياء والأولياء:
لم تكن صدفة أن تستقر في مصر الرأس الطاهرة للإمام الحسين عليه السلام؛ فمصر أرض الأنبياء ومهد الأولياء والصالحين، احتضنت آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وفتحت لهم قلبها قبل بيوتها.
ومنذ ذلك اليوم، أصبح مقام الحسين منارة روحانية تتجدد أنوارها كل عام في مولده الشريف، حيث تتزين القاهرة، وتقام حلقات الذكر والمدائح النبوية، وتتعانق فيها قلوب المحبين ويأتون إليها من أقصى الصعيد إلى بلاد بحري وشرق وغرب ومن البلاد العربية والإسلامية يقيمون السرادقات ويقدمون الولائم ويوزعون الحلويات وتجد في كل زقاق حول المقام الشريف احتفالات وأناشيد ومدائح في ليلةٍ تغمرها الأنوار يُعبر فيها عن حب المصريين عمومًا لأهل البيت عليهم السلام ويظهرون لهم المودة من خلال هذه الإحتفالات والزيارات المستمرة لمقاماتهم الشريفة.
أقوال من نور في حق الإمام الحسين عليه السلام:
- السيدة زينب عليها السلام عن أخيها:«ما رأيتُ إلا جميلًا» حين سُئلت عن يوم كربلاء في إشارة إلى جمال صبر الإمام الحسين عليه السلام وثباته في وجه الظلم.
- الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: «كنت إذا نظرت إلى عمّي العباس تذكرت مواقف الحسين فكانا جبلين من الإيمان».
وما لا يعرفه الكثير أن هناك كثير من الأشعار كانت لسيدنا الإمام الحسين عليه السلام منها:
- إِغنَ عَنِ المَخلوقِ بِالخالِقِ.. تَسُدُّ عَلى الكاذِبِ وَالصادِقِ
- وَاِستَرزِقِ الرَحمَنَ مِن فَضلِهِ.. فَلَيسَ غَير اللَهِ مِن رازِقِ
- مَن ظَنَّ أَنَّ الناسَ يغنونَهُ.. فَلَيسَ بِالرَحمَنِ بِالرائِقِ
- أَو ظَنَّ أَنَّ المالَ مِن كَسبِهِ.. زَلَّت بِهِ النَعلان مِن حالِقِ
وأيضًا:
- فَإِنَّ اللَهَ تَوّابٌ رَحيمٌ.. وَلِيُّ قَبولِ تَوبَةِ كُلِّ غاوي
- أُؤَمِّلُ أَن يُعافِيَني بِعَفوٍ.. وَيُسخِنَ عَينَ إِبليسَ المُناوي
- وَيَنفَعَني بِمَوعِظَتي وَقَولي.. وَيَنفَعَ كُلَّ مُستَمِعٍ وَراوي
- ذُنوبي قَد كَوَت جَنبيّ كَيّا.. أَلا إِنَّ الذُنوبَ هِيَ المَكاوي
- فَلَيسَ لِمَن كَواهُ الذَنبُ عَمدًا.. سِوى عَفوِ المُهَيمِنِ مِن مُداوي
وقال أيضًا:
- وَكُن بَشًّا كَريمًا ذا اِنبِساطٍ.. وَفيمَن يَرتَجيكَ جَميلَ رَأيِ
- بَعيدًا عَن سَماعِ الشَرِّ سَمحًا.. نَقِيَّ الكَفِّ عَن عَيبٍ وَثَأيِ
- مُعينًا لِلأَرامِلِ وَاليَتامى.. أَمينَ الجَيبِ عَن قُربٍ وَنَأيِ
- وَصولًا غَيرَ مُحتَشِمٍ زَكِيًّا.. حَميدَ السَعيِ في إِنجازِ وَأيِ
- تَلَقَّ مَواعِظي بِقبولِ صِدقٍ.. تَفُز بِالأَمنِ عِندَ حُلولِ لَأيِ
شعر في فضل الإمام الحسين عليه السلام:
قال الشاعر المصري عبدالباقي العمري:
- قِفا نَبكِ من ذِكرِ الحُسينِ بنِ فاطِمَةٍ.. سِبطِ النَّبيِّ سليلِ المجدِ والعِظَمِ
- يا كوكبًا سَقطَتْ أنوارُهُ بدمٍ.. وسارَ في الخَلقِ سَيرَ الشَّمسِ في العَلَمِ
وقال الإمام البوصيري في مدحه:
- حُسَينٌ سِبطُ طه في العُلى عَلَمٌ.. مِنَ الضِّياءِ ومن نُورِ الهدى عَلِمُ
ختاما يظل مولد الإمام الحسين عليه السلام في مصر مناسبةً تتجدد فيها المحبة والولاء لآل بيت النبوة ويتجدد معها العهد على السير على درب الحق والرحمة الذي خطّه بدمه الشريف مكتوب على باب مقامه الشريف "الشفاء في تربته والإجابة تحت قبته والأئمة من ذريته".
فسلامٌ على الحسين يوم وُلد ويوم استُشهد ويوم يُبعث حيًّا.
اللهم صل على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد
0 تعليق