أدى أهالي قرية الحريشي التابعة لمركز الفيوم، في مشهد يختلط فيه الدعاء بالحسرة، صلاة الغائب عقب صلاة الجمعة، بمسجد أبو جمال محمد صادق"التقوى"، على روحَي الشقيقين حسام مصطفى الجمل (42 عامًا) وأحمد مصطفى الجمل (36 عامًا)، بعد فشل جهود انتشال جثمانيهما من أسفل الحفرة التي انهارت عليهما أثناء التنقيب غير المشروع عن الآثار.
أسبوع تحت الأرض..محاولات إنقاذ انتهت بالعجز
على مدار سبعة أيام كاملة، واصلت قوات الحماية المدنية وأجهزة الإنقاذ محاولاتها المضنية للوصول إلى الجثمانين، إلا أن تزايد منسوب المياه الجوفية، وعدم استقرار التربة، وعمق الحفرة الذي تجاوز 30 مترًا، كلها عوامل حالت دون إتمام المهمة.
وفي اليوم السابع، اضطرت الجهات المعنية إلى اتخاذ قرار مؤلم بوقف أعمال الحفر، بعد أن بات استمرارها يشكل خطرًا داهمًا على المنازل المجاورة وحياة فرق الإنقاذ.
الحكاية من البداية
حلم الثراء السريع… ونهاية مأساوية
كشفت التحريات الأمنية أن الشقيقين كانا يعملان في أحد محال الأجهزة الكهربائية بمدينة الفيوم، وتعرفا على محصل كهرباء يمتلك منزلًا وقطعة أرض فضاء بقرية الصعيدي، حيث بدأ العمل في التنقيب باستخدام أدوات بدائية.
وفي يوم الحادث، كان أحمد يعمل داخل الحفرة، قبل أن يختفي فجأة. حاول الموجودون في الموقع الاستغاثة، وتم الاتصال بشقيقه حسام، الذي هرع إلى المكان، ونزل الحفرة في محاولة أخيرة لإنقاذ أخيه، لكن القدر كان أسرع، فانهارت التربة عليهما معًا.
ورجّحت روايات الأهالي أن يكون الشقيقان قد تعرضا أيضًا لـصعق كهربائي، نتيجة توصيل التيار لتشغيل"الهيلتي" وأدوات الإضاءة داخل الحفرة.
تحقيقات وضبط متورطين
النيابة تتدخل
عقب الواقعة، تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط صاحب الأرض وآخرين متورطين في أعمال التنقيب، وتم تحرير المحاضر اللازمة، وإخطار النيابة العامة التي باشرت التحقيقات فورًا لكشف ملابسات الحادث كاملة.
ووسط غياب الجثمانين، تحولت صلاة الغائب إلى صرخة ألم جماعية، عبّر خلالها الأهالي عن تضامنهم مع أسرة الضحيتين، رافعين أكفّ الدعاء أن يتغمدهما الله بواسع رحمته، وأن يلهم ذويهما الصبر والسلوان.
وأكد أهالي القرية أن الصلاة جاءت تكريمًا لذكراهما، ورسالة إنسانية بأن الغياب القسري لا يمنع الدعاء ولا يخفف الفقد.
التنقيب غير المشروع يحصد الأرواح
لم تكن هذه الواقعة الأولى من نوعها في محافظة الفيوم، إذ تستحضر الذاكرة حوادث مشابهة شهدتها قرى مركز طامية والعجميين بمركز أبشواي خلال السنوات الماضية، فضلًا عن مصرع شابين من أبناء الفيوم داخل حفرة تنقيب بمنطقة حدائق الأهرام بالجيزة قبل نحو ثلاث سنوات.
ظاهرة التنقيب غير المشروع عن الآثار، التي تصاعدت خلال العقد الأخير، باتت تحصد الأرواح عامًا بعد عام، تاركة وراءها أسرًا مكلومة، وجثامين أحيانًا لا تجد طريقها إلى النور.
ورحل حسام وأحمد، وبقيت الحفرة شاهدة على حلم انتهى تحت التراب، وعلى مأساة إنسانية تتكرر بصمت، في انتظار وعيٍ ينقذ ما تبقى من أرواح، قبل أن تبتلعها الأرض مرة أخرى.





0 تعليق