داليا عبد الرحيم تكتب: «دولة التلاوة» ومعركة الإخوان الخاسرة

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في وقتٍ يحتاج فيه الناس إلى ما يلمّ شتات أرواحهم، ويعيدهم إلى يقينهم الأول، جاء برنامج «دولة التلاوة»، ليشكّل حالة استثنائية في المشهد الإعلامي. برنامج لا يُقدّم القرآن بوصفه نصًا مقدسًا فقط، بل بوصفه فنًا، وجمالًا، وتراثًا مصريًا أصيلًا، أعطى للعالم أعظم قرّائه وأجمل أصواته.

منذ الحلقة الأولى، شعر الجمهور أن البرنامج مختلف؛ هادئ، راقٍ، عميق، يستعيد مدرسة مصر في التلاوة، ويعيد معها ذاكرة الطفولة، ودفء الإذاعة، ووقار الصوت المصري الذي طالما أحبّه الجميع. ولعل اداء مقدمة البرنامج، الدكتورة آية عبد الرحمن، كان أحد أهم مفاتيح النجاح.

بهدوءها المعروف، وثقافتها العالية، ولغتها العربية الصحيحة والرصينة، واحترافيتها التي بنتها عبر سنوات طويلة من التجربة، استطاعت أن تقترب من مساحة حسّاسة بروح الباحثة، ورصانة الإعلامية، وذكاء المرأة التي تعرف كيف تُمسك بالخيط الرفيع بين الديني والإنساني والجمالي.

آية.. لم تتزاحم على مشهد التلاوة، بل احترمته، وفتحته للضيوف الحقيقيين من القرّاء، وخبراء المقامات، وحملة هذا الإرث العظيم. ولهذا أحبّها الجمهور، لأن حضورها لم يكن منافسًا لهذا التراث، بل جسرًا إليه.

ومع النجاح الطبيعي للبرنامج، خرجت حملة متطرفة من عناصر جماعة الإخوان الإرهابية عل منصات السوشيال ميديا، تحاول التشكيك في اختيار مقدمة البرنامج بدعوى ملابسها وإثارة الغرائز وأن كيف لامرأة أن تقدّم برنامجًا عن التلاوة؟، وهذا مكان رجل، ويجب تغييرها بمقدّم ذكر، وهو طرح لا يعكس إلا عقلية قديمة عقيمة تجاوزها الزمن، ترى المرأة مجرد تابع، وتخشى حضورها، وتفزع من نجاحها.

الغريب؛ أن هذه الأصوات نفسها لم تقترب يومًا من جوهر المشروع الإعلامي، ولم تناقش فكرته، ولا قيمته، ولا أثره، بل انشغلت فقط بجنس مقدمته، وكأن الكفاءة تُقاس بالذكورة، لا بالعلم والخبرة والالتزام المهني.

ولكن ما لم يدركوه هو أن مصر تغيّرت، وأن وعي الناس تغيّر، وأن المجتمع أصبح يحتفي بالنساء الكفوءات القادرات، لا يخجل منهن ولا يضعهن في الصفوف الخلفية، رغم الهجوم الممنهج، كانت المفاجأة أن الجمهور لم يتأثر.

بل بالعكس، ازدادت مساحة التقدير والثناء على  آية عبد الرحمن، واعتُبر الهجوم عليها انتقاصًا من مكانة المرأة في غير محلّه، ومحاولة يائسة لإعادة خطاب قديم لفظه المصريون.

الجمهور رأى أداءها الهادئ، وإدارتها الرصينة للحوار، وسلاسة حضورها في برنامج دقيق لا يقبل المجاملة، ورأى أن نجاحها شهادة على أن العقل والكفاءة لا يرتبطان بنوع، بل بقدرة الإنسان على الأداء المهني، الرصين، الذي يحترمه الجمهور.

البرنامج لا يهدف فقط إلى الإشادة بالقرّاء أو تقديم مسابقات، بل هو مشروع وطني يعيد الروح المصرية الأصيلة لفن التلاوة،ذاكرة الذهب للإذاعة المصرية، الاحترام لفن المقامات وجودة الصوت، والمعرفة للجيل الجديد الذي لم يختبر زمن الحنجرة المصرية الذهبية.

ووجود امرأة محترفة مثل آية عبد الرحمن في مقدمة هذا المشروع ليس نقصًا، بل رسالة قوة تقول إن الدولة المصرية تقف مع كفاءة أبنائها وبناتها، وأنها لا تسمح للمتطرفين بتحديد من يحق له أن يتكلم أو يقدّم أو يظهر.

يبقى برنامج «دولة التلاوة» أحد أهم ملامح تقدير الإعلام المصري لقيمه القديمة الراقية، ويبقى حضور  آية عبد الرحمن فيه عنوانًا لثقة الدولة في أبنائها المبدعين، رجالًا ونساءً، وتبقى حملات الإخوان مجرد محاولة يائسة لإسكات حضور نسائي ناجح، محاولة فشلت قبل أن تبدأ.

لأن الناس رأت الحقيقة.. والحقيقة بسيطة جدًا، الكفاءة لا تُقاس بالنوع، بل بالعطاء، وآية عبد الرحمن أعطت، فأحبّها الناس، فكان طبيعيًا أن ينزعج المتطرفون.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق