في منعطف جديد يزيد الضغوط على شركات التقنية الكبرى، تكشف ملفات قضائية حديثة أن “ميتا” أوقفت قبل سنوات مشروعًا بحثيًا داخليًا حمل اسم “ميركوري”، وهو مشروع كان من المفترض أن يقدم نتائج مهمة عن تأثير التوقف المؤقت عن استخدام فيسبوك وإنستغرام على الحالة النفسية للمستخدمين، غير أن هذه النتائج، التي كانت تشير بوضوح إلى تحسن في مشاعر الرفاه وتقليل القلق والاكتئاب، لم تجد طريقها إلى الإعلان.
البحث الذي أُسدل عليه الستار
الوثائق المسربة تظهر أن باحثين داخل الشركة تعاونوا مع مؤسسة “نيلسن” لإجراء تجربة بسيطة: مطالبة مجموعة من المستخدمين بالابتعاد عن المنصتين لمدة أسبوع فقط، والنتائج جاءت واضحة وصريحة، إذ سجلت المجموعات انخفاضًا ملحوظًا في مستويات الضغط والمقارنة الاجتماعية، ورغم ذلك، رأت الإدارة التنفيذية أن النتائج “متأثرة بالصورة العامة السلبية” عن الشركة، وقررت وقف المشروع وإنهاء العمل عليه نهائيًا.
أحد الباحثين لم يُخفِ اعتراضه، مُشبهًا محاولة دفن الدراسة بما فعلته شركات التبغ عندما أخفت معلومات تتعلق بمخاطر منتجاتها.
دعوى جماعية تكشف عمق الأزمة
هذه التفاصيل لم تكن لتظهر لولا الدعوى القضائية التي تقودها جهة قانونية أميركية نيابةً عن أكثر من 1800 مدعٍ، بينهم مدارس وعائلات ومدعون عامون. جوهر القضية يركز على اتهام شركات التواصل الاجتماعي ومنها “ميتا” و”جوجل” و”سناب شات” بإخفاء معلومات كان يمكن أن تُثبت ارتباط استخدام هذه المنصات بضرر نفسي على الأطفال والمراهقين، رغم تسويقها لنفسها كمساحات آمنة للتفاعل والتعلم والترفيه.
سياسات داخلية تثير التساؤلات
الوثائق نفسها تعرض شهادة لمديرة سابقة في “إنستجرام” تحدثت عن وجود ما أطلقت عليه “سياسة الـ17 مخالفة”، وهي قاعدة داخلية تسمح لحسابات ترتكب مخالفات خطيرة تشمل الترويج لأنشطة غير قانونية مثل الاتجار بالبشر بالبقاء لفترة قبل اتخاذ أي إجراء حاسم، وهذه التفاصيل عمقت المخاوف حول المسافة بين الشعارات المعلنة عن حماية المستخدمين، والقرارات التشغيلية التي تبدو موجهة في كثير من الأحيان لخدمة النمو لا السلامة.
المراهقون بين الخوارزميات وطموحات الشركة
ملفات أخرى تشير إلى أن “ميتا” كانت تدرك أن تحسين تجربة المستخدمين من فئة المراهقين قد يحدّ من تفاعلهم، لكن الخوارزميات بقيت دون تعديل حفاظًا على مؤشرات الاستخدام، كما تكشف وثائق داخلية أن مارك زوكربيرغ كان يوجه اهتمامه الأكبر نحو مشاريع “الميتافيرس”، حتى في وقت كانت فيه الشركة تواجه تساؤلات حول حماية الأطفال.
في المقابل، نفت “ميتا” الاتهامات، وقالت إن مشروع “ميركوري” أُلغي لأسباب تتعلق بالمنهجية العلمية، مؤكدة أن مبادرات حماية المستخدمين داخلها تعود لأكثر من عشر سنوات.
تآكل الثقة… المشكلة التي لا تُقاس بالأرقام
أبعاد القضية تتجاوز حدود النقاش القانوني. فهي تمس العلاقة التي تربط الجمهور بالتقنية التي أصبحت جزءًا من حياتهم اليومية، فعندما يشعر المستخدم بأن المنصات التي يعتمد عليها تُدار وفق اعتبارات تجارية بحتة، يصبح فقدان الثقة خطوة حتمية.
قصة “ميركوري” ليست مجرد مشروع بحثي أُلغي إنها مثال حي على كيف يمكن للمعلومات العلمية داخل الشركات أن تتحول من مادة للتحسين إلى عبء يثير الخوف من كشفه.
محاولات الترميم… وظلال لا تختفي
ورغم أن “ميتا” تتحرك الآن لتطوير أدوات أمان جديدة وغرف مراقبة رقمية أكثر تطورًا، إلا أن أثر هذا الملف سيظل يلاحقها لفترة طويلة. فالمصداقية لا تُبنى ببيانات العلاقات العامة، بل بالشفافية التي تظهر في ما تكشفه الشركات أو بما تختار إخفاءه.







0 تعليق