ما زالت الأزمة فى مدينة الفاشر السودانية، مستمرة خاصةً بعد سيطرة ميليشيات الدعم السريع على غالبية أحيائها ومداخلها الرئيسية، مما أدخل الإقليم فى مرحلة جديدة من التوتر وعدم اليقين.
أدّت التحركات العسكرية الأخيرة إلى نزوح آلاف السكان نحو المناطق الريفية أو نحو معسكرات مكتظّة أصلًا بالنازحين، فى ظل غياب تام للخدمات الأساسية وانقطاع شبه كامل لطرق الإمداد.

وتفاقمت الأوضاع الإنسانية مع صعوبة وصول المنظمات الدولية إلى المدينة بسبب المخاطر الأمنية وفرض الحصار على بعض الأحياء، الأمر الذى جعل الحصول على الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب تحديًا يوميًا للسكان.
كما شهدت الفاشر موجة واسعة من أعمال النهب والعنف ضد المدنيين، وسط تقارير عن انتهاكات خطيرة طالت الممتلكات والمرافق الحيوية.
وبينما تستمر الاشتباكات المتقطعة حول أطراف المدينة، يخشى الأهالى من دخول المنطقة فى فوضى ممتدة، خاصة مع انهيار المؤسسات المحلية وعجز الأطراف الإقليمية والدولية عن فرض وقف لإطلاق النار أو فتح ممرات آمنة.
ومع غياب أى بوادر لحل سياسى قريب، تبدو الفاشر اليوم أمام أزمة إنسانية متعمقة تهدد بانهيار كامل للنسيج الاجتماعى وبتداعيات قد تمتد إلى ولايات دارفور الأخرى فى حال لم يتم التدخل العاجل.
فى هذا السياق، قال الصحفى السوداني خالد محمد طه، المتخصص بالقضايا الحقوقية والإنسانية، إن استمرار القتال فى الفاشر سيعمق النقص فى الغذاء والمياه الصالحة للشرب، ويرفع معدلات الوفيات ونسب سوء التغذية إلى مستويات كارثية، مع احتمال حدوث مجاعات موسعة.
وأضاف: خاصة مع تزايُد موجات النزوح الداخلى لمعسكرات مثل الدبة وطويلة، وزيادة تدفق اللاجئين لبلدان الجوار مثل مصر وتشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا، وسيتسبب ذلك فى ضغط مضاعف على الخدمات فى مناطق الاستقبال وتفاقم الوضع الإنسانى سريعا.
وتوقع الصحفى السودانى فى تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" توسّع رقعة العنف بمواصلة ارتكاب الجرائم الواسعة والانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين، واستهداف مرافق تقديم الخدمات العلاجية والصحية والأسواق والمناطق المأهولة بالسكان المدنيين.
وأوضح "طه" أن إنعدام الممرات الآمنة والضمانات الخاصة بتسهيل العمليات الإنسانية سيزيد من تعقيد وإعاقة الاستجابة الدولية ويصعب من وصول المساعدات فى الوقت والمكان المطلوب، ويؤدى ذلك إلى تراجع قدرة المنظمات الدولية على التدخل الإيجابى لغوث المدنيين.
وأضاف، أن الوضع الإنسانى فى ضواحى الفاشر لم يعد كارثيا فحسب؛ بل تجاوز كل المقاييس المتعارف عليها للانهيار البشري، فالمدينة لم تعد تنبض بالحياة، والواقع فيها يفوق قدرة الكلام على الوصف، حيث تتراجع أمامه مفردات مثل المجاعة والحصار والانهيار الصحي، لتحل محلها صورة قاتمة لمدينة تنطفئ رويدا رويدا.
وأشار إلى تصاعد معدلات العنف والقتل والانتهاكات، بما فى ذلك جرائم الاغتصاب والاحتجاز التعسفى وعمليات التطهير العرقي، وسط انهيار كامل لمنظومة الحماية.
وتابع بأنه فى أسابيع قليلة فقط، نزح عشرات الآلاف من المدنيين داخليا، فيما وصلت موجات منهم إلى مخيمات مكتظة يحملون آثار الجوع والإرهاق، وأطفال بلا مرافقين من ذويهم، وحالات سوء تغذية حادة، وسُجلت نسب مرتفعة من الوفيات نتيجة الجوع والإنهاك والصدمة، فى مشهد يلخص المصير المأساوى لمن كانوا يُعرفون يوما بـ"سكان الفاشر.
وأكد أن مخزونات الأسر استُنزفت ومعظمها نهبت، والأسواق تعطّلت، ونسبة كبيرة من السكان تعانى انعدام الأمن الغذائى الحاد، مع وجود تقارير عن مستويات سوء تغذية مرتفعة وصلت فى تقديرات ميدانية إلى أرقام مروّعة، والمساعدات الإنسانية انخفضت ثم توقفت بسبب إغلاق وحصار المدينة أولا ثم بسبب خلوها من السكان.
فى السياق نفسه، قال إبراهيم ألماظ نائب رئيس حركة العدل والمساواة التى تساند الجيش السودانى فى مواجهته مع ميليشيات الدعم السريع، إنه خاض معارك ضد الدعم السريع فى عدد من المناطق السودانية، وأبرزها شندى ومحور الدبة إلى جانب القضاء على المرتزقة القادمين من ليبيا وكانوا من جنسيات مختلفة أبرزها الكولومبية.
وأوضح "ألماظ" فى تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أن المفاوضات السياسية غير واردة فى الوقت الحالى لإنهاء الحرب لأن ميليشيا الدعم السريع لا تلتزم بأى اتفاقيات سياسية لأنها تشعر بأنها منتصرة، والشعب السودانى لن يقبل إلا بهزيمة الميليشيا أو استسلامها خاصة بعد الجرائم التى ارتكبتها ضد المدنيين من اغتصاب النساء وطرد السكان المدنيين من منازلهم، إلى جانب تدمير البنية التحتية والمتاحف والمصانع.
وأكد أن الانتهاكات التى مارستها ميليشيا الدعم السريع هو شيء مقصود وممنهج ومدروس الهدف منه إفقار السودان وتدميره، وإعادته إلى العصر الحجري، ومحاولة أيضا لنهب ثروات البلاد.
ولفت إلى أن كل السودان استجاب لدعوة الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادى السودانى وقائد الجيش، للتعبئة العامة ضد الميليشيا وأصبح الأمر يتعلق بحماية الأرض والعرض والوطن.












0 تعليق