انعكست الأزمة فى السودان على كافة الملفات المتصلة بالقرن الأفريقى والبحر الأحمر، وكان على رأسها السد الإثيوبى الذى بنته أديس أبابا على نهر النيل الأزرق ويهدد مصر والسودان دولتى المصب بالعطش والجفاف، فى ظل التعنت التى تبديه أديس أبابا بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق ملزم بعدم الإضرار.
افتتاح سد النهضة
وافتتحت إثيوبيا رسميًا السد فى سبتمبر الماضي، ويقع على رافد النيل الأزرق، الذى يتدفق عبره ٨٥٪ من مياه النيل، وهو ما يؤثر مباشرة على تدفقات المياه إلى مصر والسودان ويشكل تهديدات كبيرة عليهما.
منشأ الأزمة هو عدم اعتراف إثيوبيا بالاتفاقيات والمعاهدات الموقعة بين الدول الثلاثة الخاصة بالمياه بزعم أنها وقعت خلال حقبة الاستعمار، حيث تنص اتفاقية ١٩٥٩، التى وقعت عليها مصر والسودان على حصول مصر على ٥٥.٥ مليار متر مكعب من المياه، والسودان و١٨.٥ مليار متر مكعب للسودان، أى ما يعادل ٢٢٪ من الإجمالي، منها ١٨.٥ مليار متر مكعب.
ويأتى ٦٠٪ من مياه مصر من رافد النيل الأزرق، و٩٣٪ من نهر النيل ككل، وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن ترتفع درجات الحرارة فى بعض مناطق مصر بين ١.٨ و٣.٦ درجة مئوية خلال القرن المقبل، مما يتطلب المزيد من المياه لزراعة المحاصيل مع زيادة التبخر فى نهر النيل وقنواته وسيزداد الطلب على المياه، لكن العرض سينخفض، مما قد يتسبب فى انعدام الأمن المائى وأزمة اقتصادية كبيرة.
نهر النيل، أطول نهر فى العالم، تتشاركه ١١ دولة فى شمال وشرق أفريقيا، ويعيش أكثر من ٢٩١ مليون شخص فى حوضه (مبادرة حوض النيل ٢٠٢٠). له رافدان رئيسيان: النيل الأبيض، الذى تغذيه أنهار تنبع من بوروندى ورواندا، والنيل الأزرق، الذى ينبع من إثيوبيا.
اتفاق بشأن سد النهضة
وترغب مصر والسودان فى توقيع اتفاق بشأن تشغيل السد الإثيوبى وعلى مدار أكثر من ١٠ سنوات تهربت أديس أبابا من توقيع أى اتفاقية على الرغم من الاتفاق على أكثر من ٩٠٪ من البنود بين الدول الثلاثة.
وكانت مفاوضات واشنطن فى مستهل عام ٢٠٢٠ هى الأقرب بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا والتى جرت فى الولاية الأولى للررئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلا أن انسحاب إثيوبيا قبل التوقيع أعاد المفاوضات إلى المربع صفر.
غياب الدور السودانى الفعّال فى المفاوضات

وبعد اندلاع الحرب فى السودان منتصف أبريل ٢٠٢٣ انكفأت الخرطوم على نفسها وانشغلت بالحرب التى تسببت فى أكبر أزمة إنسانية فى العالم، والتى راح ضحيتها عشرات الآلاف بالإضافة إلى نزوح مئات الآلاف إلى دول الجوار وعلى رأسها مصر.
وكان للحرب فى السودان تأثير مباشر على ملف التفاوض بشأن السد الإثيوبي، إلى جانب آثار فنية خاصة بالسدود السودانية وتأثرها بتدفقات المياه المفاجئة من إثيوبيا إلى جانب عدد من الأسباب الأخرى التى نستعرضها فى السطور القادمة.
قبل اندلاع الحرب، كان السودان طرفًا رئيسيًا فى المفاوضات الثلاثية مع مصر وإثيوبيا، إلا أن الأزمات تكالبت على السودان لينشغل بالحرب، والنزوح، والانهيار الإدارى والاقتصادي، ما أدى إلى تراجع دوره الدبلوماسى فى ملف السد.
وهذا الغياب أثر على الموقف التفاوضى المصرى والسودانى معًا، وسمح لإثيوبيا بأن تمضى فى الملء والتشغيل دون اتفاق ملزم.
استفادة إثيوبيا من الانشغال السوداني
استغلت إثيوبيا الفراغ السياسى السودانى لتمضى قدمًا فى استكمال بناء وملء السد، بالإضافة إلى أن غياب حكومة مركزية قوية فى الخرطوم جعل من الصعب على السودان متابعة الآثار الفنية للسد مثل تدفقات المياه أو تأثيرات التخزين على سد الروصيرص القريب، حيث تعيق الحرب قدرة السودان على مراقبة سلامة سد الروصيرص الذى لا يبعد سوى نحو ١٠٠ كيلو متر عن السد الإثيوبي.
وتعليقًا على هذا الأمر، أكد الدكتور عباس شراقى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة أن الحرب فى السودان كان لها بالغ الآثر على الأمن المائى للبلاد ومفاوضات السد.
تأثير الحرب على أزمة سد النهضة
وأوضح أن الانشغال السودانى عن ملف السد الإثيوبى بدأ منذ نهاية ٢٠١٨ حينما اندلعت الثورة ضد نظام عمر البشير، ومع قيام الحرب فى أبريل ٢٠٢٣ استكملت مصر المفاوضات مع إثيوبيا بمفردها فى نهاية نفس العام والتى وصلت إلى طريق مسدود ومنذ ذلك الوقت توقفت تمامًا.
وأكد الدكتور عباس شراقى فى تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أن الحرب فى السودان كان لها بالغ الأثر على عمليات الصيانة لبعض السدود.
ولفت أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة إلى توقف النشاط الزراعى فى السودان بنسبة تقترب من ٥٠٪ إلى جانب هجرة ١١ مليون سودانى داخليًا وخارجيًا، واستهداف قوات الدعم السريع لبعض السدود مثل سدى جبل الأولياء ومروي، وتخريب بعد المنشآت الأخرى، وهو ما نتج عنه خلل شديد فى البنية التحتية بالسودان.
وفى السياق نفسه، قالت الدكتورة نجلاء مرعي المتخصصة فى الشئون الأفريقية إن الحرب فى السودان تؤثر بشكل كبير على كافة الملفات الساخنة فى منطقة القرن الأفريقى والبحر الأحمر وعلى رأسها بالطبع قضية السد الإثيوبي.
وأوضحت الدكتورة نجلاء مرعى فى تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أن ملف السد اتخذ منحى آخر، لو نظرنا إلى التصريحات الصادرة من رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، بخصوص ضرورة تأمين منفذ بحرى لبلاده وتأكيده على أنها ليست قضية سياسية وإنما قضية بقاء وطني، وأن نهر النيل والبحر الأحمر ثنائيان يحددان مصير إثيوبيا وأثاث لتنميتها أو تدميرها.
توترات فى البحر الأحمر والقرن الأفريقى
وأشارت الدكتورة المتخصصة فى الشئون الأفريقية إلى أن هناك تحركات مصرية فى الآونة الأخيرة تأتى فى إطار الحيلولة دون إشعال توترات جديدة فى البحر الأحمر والقرن الأفريقى أو حصول إثيوبيا على منفذ بحرى بطريقة غير شرعية تسهم فى تأجيج الصراعات مرة أخرى.
ولفتت إلى أن مصر والسودان قدما فى عهد رئيس الوزراء الإثيوبى السابق هايلى مريام ديسالين استراتيجات تعاونية تتجاوز السد الإثيوبى وتعنى كل دول حوض النيل الأزرق على المستوى المائى والغذائى والطاقة، إلا أن آبى أحمد لا يرغب فى التعاون مع دول حوض النيل.








0 تعليق