ألَستَر هاميلتون مدير معهد واربورج بإنجلترا سابقًا فى حوار خاص لـ"البوابة نيوز": الإبادة فى غزة وضعت المسيحية الصهيونية فى مأزق حقيقي.. والغرب كان يرى فى الأقباط "الإخوة الأعداء"

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

سوء الفهم مع الشرق نشأ من طريقة قراءة الأوروبيين للتاريخ 

روما فى سعيها للوحدة مع الأقباط كانت تبحث عن مصلحتها فقط

الغرب لم يكتشف شيئًا جديدًا بل أعاد تشكيل الصورة بما يخدم اهتماماته

فى بداية القرن الـ13 كان الأوروبيون يخافون من دخول المساجد وفى القرن الـ19 صمّموا رسومًا هندسية لها

 أكد البروفيسور الدكتور ألَستَر هاميلتون، مدير معهد واربورج سابقًا فى لندن والمتخصّص فى دراسة حركات الإصلاح الراديكالى والعلاقات بين الغرب والعالم العربي، إنه وجد فى الكنيسة القبطية حالةً نموذجية لكيفية قراءة أوروبا للآخر: كنيسة قديمة ذات تقاليد مستقلة، لكنها ظلّت غامضة للمؤرخين الأوروبيين لقرون، الذين أطلقوا على الأقباط وصف "الإخوة الأعداء".

هاميلتون هو زميل فى الأكاديمية البريطانية، ومدير مشارك لمركز تاريخ الدراسات العربية فى أوروبا بمعهد واربورج، ويُعدّ من أبرز الباحثين فى مجاله على مستوى أوروبا. من أهم كتبه: «الأقباط والغرب، 1439–1822: الاكتشاف الأوروبى للكنيسة المصرية»، ويعمل حاليًا على كتاب جديد بعنوان «الإسلام والغرب: اكتشاف الأوروبيين للمساجد بين القرن الثالث عشر والتاسع عشر». وفى حواره لـ«البوابة»، يقدّم رؤى فكرية عميقة عن العلاقة بين الشرق والغرب وتاريخ اكتشاف الكنيسة القبطية.

 ■ كيف بدأ اهتمامك بالعلاقات بين العالمين العربى والأوروبي؟

- بدأتُ أستاذًا للتاريخ الأوروبى فى إحدى الجامعات الهولندية، ثم تولّد اهتمامى من القراءة بلغات وثقافات مختلفة. تلقيتُ تعليمى فى كامبريدج، ثم واصلت أبحاثى فى أوروبا، فانبثقت فى داخلى رغبة فى تتبُّع سلاسل نقل المعرفة والتبادل الثقافى — كيف وصلت النصوص والمخطوطات العربية إلى أوروبا، وكيف فُسّرت هناك وأُعيد إنتاجها. وقد عبّرت عن ذلك فى كتبى حول التبادل الثقافي.

■ ما الذى جذبك إلى دراسة الكنيسة القبطية وعلاقتها بالغرب؟

- وجدتُ فى الكنيسة القبطية نموذجًا فريدًا لكيفية قراءة أوروبا للآخر: كنيسة قديمة ذات تقاليد مستقلة، لكنها ظلّت غامضة للمؤرخين الأوروبيين لقرون، الذين أطلقوا على الأقباط وصف "الإخوة الأعداء". لذلك كانت مادة مثالية لدراسة كيف اكتشفت أوروبا الجماعات المسيحية الشرقية، وكيف صيغت تلك "الاكتشافات" ضمن أجندات دينية وبحثية وسياسية.

■ كيف أثّر عملكم فى معهد واربورج على منهجكم البحثي؟

- العمل فى واربورج عزّز منهجى القائم على دراسة الأرشيف والصور والرموز ومسارات التبادل الثقافي، لا الاكتفاء بالوصف السطحي. معهد واربورج، بمجموعاته وتقاليده، دفعنى لقراءة الوثائق القديمة بعينٍ تجمع بين النص والسياسة.

■ ما الفكرة الأساسية فى كتاب «الأقباط والغرب»؟

- الفكرة الأساسية هى تتبّع "اكتشاف الأوروبيين" للكنيسة المصرية بين نهاية العصور الوسطى وبدايات العصر الحديث، من خلال رسائل الرحالة والمراسلات التبشيرية والأعمال العلمية. الهدف هو إظهار كيف بُنيت صورة الأقباط فى المخيال الأوروبي.

بدأ الكتاب من مجمع فلورنسا عام ١٤٣٩، حين ظهر الأقباط على المسرح الكنسى الغربى لأول مرة، وصولًا إلى بدايات القرن التاسع عشر، حين أصبحت مصر محطة دائمة للرحالة والعلماء. ومن خلال آلاف الوثائق والرسائل والمطبوعات النادرة، أوضحتُ كيف تحوّل الأقباط فى نظر الغرب من "أمة منسية" إلى موضوعٍ لفضولٍ لاهوتى واستشراقى متزايد.

■ كيف نظر الأوروبيون إلى الأقباط؟

- النظرة لم تكن أحادية، بل مزيجًا من منظور دينى تبشيري، واهتمام استشراقى علمي، ورؤية إنسانية أو إثنوغرافية لدى بعض الرحالة. لكن الرؤية السائدة لقرون كانت أن الأقباط على خطأ لأنهم لا يخضعون لبابا روما، وأن توحيدهم تحت سلطتها واجب.

■ وهل أخطأ الأقباط فى رفض الوحدة مع روما؟

- لا، لم يخطئوا.

روما كانت تبحث فقط عن مصلحتها وسلطتها وخضوع الجميع لها.

■ هل الغرب "اكتشف" الكنيسة القبطية أم أعاد تشكيل صورتها؟

- الغرب لم يكتشف شيئًا جديدًا، بل أعاد تشكيل الصورة بما يخدم اهتماماته: تبشيرًا، أو بحثًا علميًا، أو استكمالًا للسجلّ الكنسى الأوروبي. النتيجة كانت صورة تخدم السرديات اللاهوتية والعلمية الأوروبية.

■ كيف ساهمت البعثات التبشيرية والرحلات العلمية فى تشكيل صورة الأقباط؟

- الرحلات والبعثات كانت الوسيلة الأساسية لنقل الانطباعات. التبشيرى يكتب من منظور لاهوتي، والرحالة العلمى يجمع ملاحظات لغوية وأثرية، وكلاهما أعاد تشكيل تفاصيل الطقوس واللغة والهيكل الكنسى وفق أهدافه. ومع ذلك، فإن رهبنات مثل اليسوعيين كانت أكثر علمية وتقديرًا للتراث القبطي.

■ ما أبرز نقاط التلاقى وسوء الفهم بين الشرق والغرب؟

- التلاقى تمّ عبر التبادل العلمى واللغوى (الترجمات، تعلم العربية والقبطية). أما سوء الفهم، فنتج عن قراءة الأوروبيين للمصادر خارج سياقها المحلى أو لخدمة أغراض تبشيرية أو سياسية، مما شوّه المعانى الأصلية.

■ هل يمكن للتاريخ الدينى والثقافى أن يقلّل الهوة بين الشرق والغرب اليوم؟

- الفهم التاريخى المدعوم بالأرشيف يساعد على تفكيك الصور النمطية ومعرفة جذورها، مما يمنع تكرارها. لكن التبادل الثقافى أداة معرفية، لا علاجًا سياسيًا مباشرًا.

■ هل تجاوزت الدراسات الأوروبية النظرة الاستشراقية القديمة؟

- هناك تغيّر واضح؛ الدراسات الحديثة تعترف بالانحيازات القديمة وتحاول تصحيحها عبر الأرشيف والشراكات المحلية. ومع ذلك، تبقى آثار الاستشراق حاضرة بأشكال جديدة، لذا فالعمل النقدى ضرورة مستمرة.

3de74b9e30.jpg

■ كيف تقيّم موقع الكنيسة القبطية اليوم فى الحوار المسيحي–المسيحى العالمي؟

- الكنيسة القبطية باتت تحظى باعتبارٍ أكبر عالميًا كمرجع تاريخى وروحى مهم، خصوصًا فى دراسات المسيحية الشرقية، لكن هذا الاعتبار يحتاج إلى معرفةٍ أعمق تتجاوز الجانب التاريخي.

■ لماذا ظلّ الأقباط مجهولين فى الغرب على عكس مسيحيى لبنان وسوريا؟

لأن مسيحيى لبنان وسوريا كان لهم حضور أكاديمى وثقافى قوى فى أوروبا، وخصوصًا الموارنة الذين لعبوا دورًا كبيرًا فى التعليم والبحث.

■ ما الدور الذى لعبه الأقباط فى حفظ التراث المسيحى الشرقي؟

- للأقباط دور محورى فى حفظ النصوص الليتورجية والترجمات القديمة، مما جعل الكنيسة القبطية خزّانًا لتراث مسيحى متواصل فى مصر وشمال إفريقيا، وهو ما أثار اهتمام الباحثين الأوروبيين.

■ هل الغرب ما زال ينظر إلى الأقباط كأثر تاريخى أم ككيان حيّ؟

- التوجه الأوروبى اليوم أكثر تنوّعًا؛ فهناك من يدرسهم كظاهرة تاريخية، وآخرون يرونهم جماعة حيّة ذات ممارسة دينية وثقافية معاصرة، خاصة مع تطور التواصل البحثى والميداني.

■ فى جملة واحدة ماذا يجب أن يعرف الأوروبى عن الأقباط؟

- "الأقباط ليسوا مجرد أثرٍ تاريخى فى كتب الرحلات، بل كنيسة حية حافظت على تقاليدها وتركت أثرًا عميقًا فى تاريخ المسيحية الشرقية."

9d610c2f8a.jpg

■ كيف ترى مستقبل الدراسات العربية فى الجامعات الأوروبية؟

- الاهتمام مستمر، لكنه يتغير شكلًا من دراسة النصوص الكلاسيكية فقط إلى دراسات مقارَنة ومتعددة التخصصات، تتعاون مع باحثين من العالم العربي. مستقبلها يعتمد على قدرتها على التجديد وبناء الشراكات.

■ ما نصيحتك للباحثين العرب فى دراسة العلاقة بين الشرق والغرب؟

- اعملوا بالأرشيف، وتعلموا لغات المصادر (اللاتينية، الإيطالية، الفرنسية، العربية، والقبطية إن أمكن). ابنوا شراكات دولية متكافئة، واحذروا إعادة إنتاج الروايات الجاهزة، واجعلوا صوت المصادر المحلية فى صميم أبحاثكم.

■ كيف ترى حركة المسيحية الصهيونية فى الغرب حاليًا؟

- هذه الحركة تمرّ بأزمة حقيقية بعد الحرب المدمّرة فى غزة، التى تعاطف معها كثير من الجامعيين فى الغرب. إنها حركة توسّعية لا تشبع من ضمّ الأراضي، ومن المهم التذكير بأن البابا الحالى لاون الرابع عشر والبابا الراحل فرنسيس كانا ضدها، وموقف الفاتيكان مؤثر للغاية.كمرجعة دينية وروحية لملايين المسيحيين فى العالم.

■ ما الكتاب الذى تعمل عليه حاليًا؟

- أعمل على كتاب عن علاقة الغرب بالإسلام من خلال زيارات الرحالة الأوروبيين للمساجد فى الشرق الأوسط بين القرنين الثالث عشر والتاسع عشر.

■ هل هو يقابل إذن كتاب «الأقباط والغرب»؟

- نعم، هو بمثابة "طرق الأبواب بين عالمين منفصلين". فالأوروبيون فى البداية كانوا يخافون من دخول المساجد فى مصر والقدس وسوريا، ثم تحوّلوا فى القرن التاسع عشر إلى مهندسين ومعماريين يعملون فيها، مثل الفرنسى باسكال كوست الذى رسم تصميم مسجدين فى الإسكندرية والقاهرة.

■ ومتى يصدر الكتاب؟

- يتبقى جزء قليل، وأتوقع صدوره فى لندن نهاية العام الحالي.

 

ec04c2cc67.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق