كانت الساعة تقترب من المساء، وازدحام الميدان يُسابق الغروب. اختلطت أصوات السيارات بضحكات المارة، فيما كانت بائعة المناديل الصغيرة تُلوح بابتسامة بريئة لطفلة تحمل حقيبتها المدرسية على ظهرها... لم تكن تعلم أن تلك الخطوات القليلة نحو البيت ستكون الأخيرة في حياتها.
منة حسن، طالبة بالصف الثالث الإعدادي، 15 عامًا فقط من العمر، بمدرسة التوفيق الإعدادية بنات التابعة لإدارة غرب الفيوم التعليمية، لكنها كانت تحمل في عينيها أحلامًا أكبر من سنواتها.
خرجت منة من مدرستها كعادتها، تخطو بثقة نحو الطريق، قبل أن يُبدّد صرير فرامل سيارة سرفيس مسرعة كل شيء. لحظة واحدة فقط... كانت كفيلة بإسكات أحلامها إلى الأبد.
صدمة في الميدان
تجمّع الناس حول الجسد الصغير الذي ارتسمت على وجهه ملامح الدهشة أكثر من الألم، وسيارة السرفيس التي كانت تنطلق بسرعة جنونية، لم تمهلها لحظة لتنجو.
سقطت منة على الإسفلت، في الوقت الذي علت فيه أصوات النساء بالبكاء، وهرع السائقون لإيقاف الحركة المرورية التي شلّها الذهول.
وصلت سيارات الإسعاف في دقائق، لكن القلب الصغير كان قد توقف عن الخفقان.
بلاغ وتحقيق.. ثم صمت
تلقى قسم شرطة ثان الفيوم إخطارًا من غرفة عمليات النجدة بوقوع الحادث في ميدان الشيخ حسن.
انتقلت الأجهزة الأمنية إلى موقع الحادث، وتبين من المعاينة الأولية أن سائق السرفيس كان يقود بسرعة مفرطة، فاصطدم بالفتاة أثناء وقوفها على جانب الطريق.
تم نقل الجثمان إلى مشرحة مستشفى الفيوم العام، وتحرر محضر بالواقعة، فيما تولّت النيابة التحقيق.
وداع بلا موعد
في منزل بسيط بحي الفيوم، خيّم الصمت. كانت الأم تضم حقيبة المدرسة إلى صدرها، تبكي بصمت كأنها تخشى أن توقظ منة من نومها الأخير، وملابس المدرسة ما زالت على المقعد، وكراسة الملاحظات مفتوحة على درس لم يكتمل.
لم تعد منة إلى بيتها ذلك المساء، لكنها تركت وراءها سؤالًا موجعًا:
من يُحاسب السرعة التي تخطف الأرواح كل يوم؟
بين الغضب والحزن
أهالي ميدان الشيخ حسن طالبوا بتشديد الرقابة المرورية ووضع مطبات صناعية في الميدان الذي يشهد تكرار الحوادث بسبب تهور السائقين.
قال أحدهم وهو يشير إلى مكان الحادث: "كانت واقفة هنا.. على بعد متر من الرصيف، واللي حصل في ثانية."
مشهد ترك أثرًا لا يُمحى في ذاكرة المارة، وحكاية جديدة تضاف إلى سجل نزيف الطرق.











0 تعليق