عزت البنا يكتب: "السادة الأفاضل".. رحلة كوميدية في جنازة القيم المفقودة

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في فيلمه الجديد "السادة الأفاضل"، يقدّم المخرج كريم الشناوي واحدة من أكثر التجارب الكوميدية نضجًا في السنوات الأخيرة، من خلال عمل يجمع بين السخرية المرّة والدراما العائلية المعقدة، في بناء درامي يعتمد على تتابع المفاجآت والتشابكات بين الشخصيات، دون أن يفقد خيطه الإنساني أو طابعه الواقعي.

17d73d8403.jpg
عزت البنا

عائلة على حافة الانفجار

تبدأ الحكاية في ليلة عيد الفطر داخل منزل أسرة من الوجه البحري، يبدو للوهلة الأولى بسيطًا ومألوفًا: الأب جلال (بيومي فؤاد)، والأم (انتصار)، والأبناء طارق (محمد ممدوح) وحجازي (محمد شاهين) ودنيا ماهر، بالإضافة إلى مجموعة من الأشقاء والأقارب الذين يجسدهم أشرف عبد الباقي وإسماعيل فرغلي، في توليفة تجمع أجيالًا مختلفة من الكوميديا المصرية.

لكن سرعان ما ينقلب كل شيء رأسًا على عقب حين يُعلن عن وفاة الأب، لتبدأ سلسلة من الأحداث المربكة والمضحكة في آنٍ واحد. فالموت المفاجئ يفتح الباب أمام أسرار قديمة، وديون، وخلافات عائلية، وأطماع شخصية، وصولًا إلى اكتشاف أن الأب لم يمت أصلًا، بل تواطأ مع زوجته وابنه الأكبر في خطة غامضة تتعلق بـ"مومياء فرعونية" وثروة مجهولة وأكاذيب متراكمة.

العبث البشري في أقصى صوره

ينتمي الفيلم إلى نوعية الكوميديا السوداء الاجتماعية، لكنه لا يكتفي بالإضحاك؛ بل يستخدم المواقف الساخرة كأداة لكشف تناقضات النفس البشرية، خاصة حين تواجه المال والميراث والمصالح.

العائلة هنا ليست سوى مرآة لمجتمع مأزوم، يتعامل مع القيم والمبادئ كأقنعة مؤقتة تُستخدم وقت الحاجة فقط.

يقدّم الشناوي عالمه بجرأة وذكاء، حيث تتقاطع خطوط عدة:

سرقة مكتب البريد المجاور، التي ينفذها طه دسوقي وعلي صبحي بمساعدة ميشيل ميلاد في مشاهد تجمع بين العبث والمفارقة والكوميديا.

جريمة قتل تقع بالخطأ، ومومياء تنتقل من تحت السرير إلى مكان آخر.

أب متخفٍ في زي "منقبة"، وأم تكتشف زواج زوجها السري أثناء العزاء، وأبناء يحاولون دفن "دبدوب" بدلًا من جثمان أبيهم الحقيقي.

تفاصيل وشخصيات تخلق عالمًا متكاملًا

يضيف الفيلم عدة شخصيات ثرية في رسم ملامح عالمه العبثي، من أبرزها سمير إيطاليا (أحمد السعدني)، الذي يمثل نموذج النصاب الانتهازي، قبل أن يُقتل على يد المبروك ابن جلال — ابن الزوجة الثانية للمتوفي — بعد أن أقدم رجاله على إحراق المطعم الذي كان يملكه جلال.

كما يقدّم أكرم حسني دورًا طريفًا ومختلفًا في شخصية حكيم المغسل، الذي يتعامل  بخفة ظل مدهشة.

ولا يخلو الفيلم من صراع نسائي كوميدي لافت، بين خطيبة الابن الأصغر حجازي (هنادي مهنا) القادمة من القاهرة، وخطيبة طارق (ناهد السباعي) ابنة الريف، في مواجهة ساخرة بين عالمين مختلفين في الثقافة والسلوك والنظرة إلى الحياة والحب. هذا الصراع يمنح الفيلم لحظات خفيفة ومُمتعة وسط كثافة الأحداث وتشابك الخيوط الدرامية.

أداء جماعي متكامل

رغم كثرة الشخصيات، ينجح الفيلم في توزيع الأدوار بذكاء دون أن يطغى أحد على الآخر.

محمد ممدوح يقدّم أداءً متوازنًا يجمع بين الغضب والارتباك، بينما يضيف بيومي فؤاد طبقة نادرة إلى شخصية الأب المتلاعب.

أما أشرف عبد الباقي وإسماعيل فرغلي فيقدمان نكهة كوميدية أصيلة، تجعل من حضورهما عنصر توازن وسط فوضى الأحداث.

الطاقة الشبابية التي يضيفها طه دسوقي وعلي صبحي وميشيل ميلاد تمنح الفيلم حيوية وحضورًا معاصرًا، خاصة في مشاهد السرقة التي تمتزج فيها الكوميديا بالخطر.

ويُحسب للفيلم أيضًا اعتماده على كوميديا الموقف التي قدمها الثلاثي طه دسوقي، وعلى صبحي، وميشيل ميلاد، خصوصًا في المشاهد التي دارت أثناء التحضير لسرقة مكتب البريد وأثناء تنفيذ العملية نفسها. جاءت الكوميديا عفوية ومتصاعدة، تذكرنا كثيرًا بروح الثلاثي الشهير محمد هنيدي وعلاء ولي الدين وليلى علوي في مشاهد سرقة البنك بفيلم "حلق حوش".

الفيلم يرسّخ خطوة جديدة في مسيرة طه دسوقي الذي يواصل تأكيد مكانته كأحد أبرز الوجوه الكوميدية الصاعدة، كما يمنح ميشيل ميلاد شهادة ميلاد سينمائية حقيقية، بعد أداء لافت جمع بين التلقائية والطرافة.

سيناريو محكم ونهاية مأساوية

السيناريو الذي كتبه مصطفى صقر، محمد عز الدين، وعبد الرحمن جاويش يتعامل ببراعة مع فكرة "الموت الرمزي" — موت الأب، موت القيم، موت الضمير — قبل أن تتحول النهاية إلى مأساة جماعية تلتهم الجميع.

كل شخصية تدفع ثمن جشعها أو خداعها، في دوامة من الفقد والندم والعبث، وكأن الفيلم يقول: "حين يُدفن الصدق، لا ينجو أحد".

خلاصة

"السادة الأفاضل" ليس فيلمًا خفيفًا رغم ضحكاته، بل هو كوميديا سوداء عن مصر المعاصرة؛ عن العائلة حين تتحول من مصدر للدفء إلى ساحة صراع، وعن الإنسان حين يكتشف أن الخلاص الشخصي قد يكون هو نهايته.

بأداء جماعي متقن وإخراج متماسك، يرسخ كريم الشناوي مكانته كأحد أكثر المخرجين قدرة على الموازنة بين الواقعية والرمزية، وبين الضحك والوجع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق