سنغافورة.. الدليل العملي للدول النامية نحو اقتصاد المستقبل

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في عالمٍ تتسارع فيه الثورة التكنولوجية وتتحول فيه البيانات إلى "نفطٍ جديد"، تقف سنغافورة نموذجًا يُحتذى به في كيفية استثمار الذكاء الاصطناعي لتحويل محدودية الموارد إلى وفرة في الإنتاج، وصِغر المساحة إلى اتساع في التأثير الاقتصادي.

سنغافورة لم تملك ثرواتٍ طبيعية ولا مساحاتٍ شاسعة، لكنها امتلكت ما هو أثمن: رؤيةٌ وطنية تؤمن بأن المستقبل تصنعه العقول لا الحقول.

ومن هذه القناعة وُلدت مبادرة "AI Singapore" عام 2017، لتتحول الدولة الصغيرة إلى مختبر مفتوح للابتكار الصناعي والمعرفي، وليصبح الذكاء الاصطناعي لغة الاقتصاد ومفتاح المنافسة.

اقتصاد قائم على الذكاء لا على الموارد

لم تبدأ سنغافورة من الصفر، لكنها أعادت تعريف مفهوم التنمية.
فبدلًا من الاعتماد على التصنيع التقليدي، قررت أن تجعل الذكاء الاصطناعي جزءًا من كل عملية إنتاجية، فتم توجيه الاستثمارات نحو البحث والتطوير، وربط الجامعات بالقطاع الصناعي، وإنشاء صناديق تمويل لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الصناعة والطاقة والنقل.

تحولت الموانئ إلى مراكز ذكية تُدار بخوارزميات تتنبأ بحركة السفن، مما خفّض زمن الانتظار بنسبة 30%، وارتفعت كفاءة التشغيل بنسبة 25%، وفي المصانع، حلت الخوارزميات محل الورق، وأصبحت البيانات تدير خطوط الإنتاج وترصد الأعطال قبل وقوعها، لتتحول الصناعات الدقيقة إلى مصدر رئيسي للنمو المستدام.

رؤية استباقية واستثمار في الإنسان

لكن سر نجاح التجربة السنغافورية لم يكن في التقنية ذاتها، بل في الاستثمار في الإنسان.
فمن خلال برنامج "AI Apprenticeship Programmer"  تم تدريب الشباب والمهندسين على تطبيقات الذكاء الصناعي، ليصبحوا قادة للتحول الرقمي لا مجرد مستخدمين له، وهكذا، وُلد جيل جديد من الكفاءات القادرة على قيادة الصناعة في عصر الثورة الرابعة.

ولم تمر سوى سنوات قليلة حتي جائت النتائج سريعة وواضحة: ( ارتفاع الإنتاجية في القطاعات الصناعية بأكثر من 25%. - خفض التكاليف التشغيلية في الموانئ والمصانع بنسبة تصل إلى 30%. - جذب شركات عالمية مثل Google وSiemens  لإنشاء مراكز أبحاث داخل سنغافورة.

تحولت سنغافورة إلى مركز آسيوي للذكاء الصناعي، وأصبحت الدولة التي كانت تُستورد التكنولوجيا قبل عقود، اليوم تُصدر حلولًا رقمية متقدمة إلى العالم.

واخيرا.. تُظهر هذه التجربة أن الذكاء الاصطناعي ليس حكرًا على الدول الغنية، بل يمكن أن يكون طريقًا لتجاوز الفقر الصناعي والتقني إذا توافرت الرؤية والإرادة.
فالتحول نحو الاقتصاد الذكي لا يحتاج إلى موارد طبيعية، بل إلى عقول مؤهلة، ورغبة في التغيير.

سنغافورة أثبتت أن المساحة الجغرافية والموارد الطبيعية لا تصنع القوة بل الفكر، وأن الذكاء الاصطناعي، حين يُدار بعقل رشيد، يمكن أن يحول أي دولة نامية إلى قوة اقتصادية مؤثرة في العالم، وإذا أرادت الدول النامية أن تُعيد صياغة مستقبلها الاقتصادي، فعليها أن تتعلم من هذا النموذج.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق