لم يكن أحد في عزبة رمزي بقرية شدموه يتخيل أن الشاب الهادئ، الذي إعتاد أن يلقي السلام بإبتسامة خجولة كل صباح، سيغادر الحياة بهذه القسوة.
في صباحٍ بدا ككل الأيام، إستيقظت القرية على صرخةٍ إخترقت السكون، تلاها خبر لم يستوعبه أحد بسهولة: فلان.. التاجر الشاب.. أنهى حياته داخل منزله.
تاجر شاب.. وديون لا ترحم
كان في العقد الثالث من عمره، يحمل أحلامًا أكبر من عمره، بدأ تجارته البسيطة بجهد وكفاح، يحاول أن يفتح لنفسه باب رزق شريف.
لكن الأيام لم تكن رحيمة، فالأسعار ترتفع، والمصاريف تتضاعف، والديون تراكمت حتى ضاقت أنفاسه.
يحكي أحد أصدقائه بصوتٍ متهدج:"كان دايمًا يقول الدنيا ضاغطة عليه.. بس ماكنّاش نتصور إن التعب النفسي يوصل لكده."
اللحظة الأخيرة.. صمت يسبق الرحيل
في تلك الليلة، جلس بمفرده داخل غرفته، والهم يثقل قلبه أكثر من أي وقت مضى. لم يكن بينه وبين الفجر سوى ساعات، لكنه اختار أن يسبق النور بخطوة نحو الظلام الأبدي.
سكين المطبخ التي كانت أداة عمل يومي في بيته، تحولت في لحظة إلى أداة الفقد.
عندما عثرت عليه أسرته، كان المشهد أكبر من أن يُحتمل.. جسد غارق في الدماء، ووجه مطمئن كأنما قرر أن يرتاح أخيرًا من معركة الحياة.
بلاغ سريع وصل إلى مركز شرطة أطسا، وإنتقلت الأجهزة الأمنية إلى المكان، لتجد الحقيقة المؤلمة، كما رواها البلاغ.
وأكد الطبيب الشرعي في المعاينة الأولية أن الوفاة ناتجة عن جرح قطعي في الرقبة، ولا توجد شبهة جنائية.
تم نقل الجثمان إلى مشرحة المستشفى المركزي، وبدأت النيابة العامة تحقيقاتها، تستمع إلى أسرة الشاب وأصدقائه.
لم يمر الحادث كخبر عابر.
في المقاهي وعلى نواصي القرية، لم يتحدث الناس إلا عنه.. عن الشاب الطيب الذي لم يتحمل قسوة الحياة، فيما قال أحد كبار السن: "لو كان حد سمعه وهو بيستغيث، يمكن ماكانش حصل إللي حصل."
كلمات بسيطة لكنها تختصر وجعًا أكبر، وجع مجتمع بأكمله يئن تحت ضغوط لا تُرى، وأرواح تنهار في صمت دون أن تجد من يمد لها يد العون.
رحل التاجر الشاب، وترك وراءه دروسًا لا تُنسى:
أن الألم النفسي قد يكون أعمق من الجرح، وأن العجز عن البوح يمكن أن يقتل أكثر من السكين.
في كل ركن من بيته ظل أثر، وفي كل عينٍ من قريته دمعة، وفي صدى الحادث نداء صامت بأن الحياة تستحق أن نحكيها لا أن نُنهيها.
0 تعليق