أكد المطران سنى إبراهيم عازر، مطران الأراضى المقدسة والقدس والضفة الغربية والأردن أن توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار فى غزة جاء نبراسا يضيء الطريق نحو سلام شامل وعادل، يحمى حياة الأبرياء ويكرّس العدالة لكل الشعوب.
وأضاف فى حواره لـ البوابة أنه فى قلب هذا الإنجاز، تلمع جهود مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، صوته الحكيم الذى رفع راية الإنسانية فوق كل الانقسامات، ليذكّرنا أن السلام ممكن حين يقف العقل والضمير معًا لحماية الحياة والكرامة حيث التاريخ الذى حمل دومًا همّ القدس، وحيث كانت مصر «ولا تزال» بيت العرب وضميرهم الحى الذى لا يموت، وحلَّ المطران ضيفًا كريمًا، يحمل وجع الأرض المقدسة فى قلبه، ويمتزج فى صوته الدعاء بالأمل، والرجاء بالحكمة. ويرى المطران عازر، فى القاهرة «بلده الثاني»، والى نص الحوار.

■ نبدأ حوارنا بما وصلنا إليه من اتفاقية وقف إطلاق النار فى غزة، كيف استقبلتم هذه الاتفاقية؟
يسعدنى أن أكون فى القاهرة، بلد العرب وضميرهم، الذى وقف مع الشعب الفلسطيني وأسهم بكل جهد فى وقف إطلاق النار”.
وهذه الاتفاقية هى ثمرة جهود مصرية كبيرة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبالتعاون مع الدول العربية والدول الصديقة، لضمان وقف نزيف الدماء. اليوم، نشعر بأن الحياة انتصرت على الموت، والأمل غلب الحقد”.
إنها خطوة أولى نحو السلام الدائم، لكنها ليست النهاية، بل بداية مشوار طويل يتطلب استمرار العمل والتعاون.
■ بعد هذه الاتفاقية، أصدرتم بيانًا بعنوان بيان بطاركة ورؤساء الكنائس فى القدس، ما دلالاته؟ وماذا تريدون أن توصلوا للعالم؟ وما المخاوف حول الوجود المسيحي في فلسطين؟
بيان رؤساء الكنائس كان شكرًا للعالم على وقوفه مع القضية الفلسطينية، وفى الوقت نفسه رسالة أمل بأن السلام يجب أن يكون دائمًا، لا لحظة مؤقتة؛ كما ركز البيان على الحفاظ على الوجود المسيحى فى الأراضى المقدسة، إذ هاجرت مئات العائلات بعد الحرب، وأصبح تراجع الأعداد المسيحية أمرًا مقلقًا”. والحفاظ على هذا الوجود ليس مجرد واجب ديني، بل مسؤولية إنسانية وحضارية. إن كل خطوة نحو السلام تحمى النسيج المجتمعي، وتمنح الشعب الفلسطينى القدرة على العيش بكرامة فى وطنه».
■ هل تعتقدون أن الاتفاقية تمثل بداية سلام حقيقي أم مجرد هدنة مؤقتة؟
أملنا أن تكون هذه الاتفاقية بداية لسلام دائم، يحقق العدالة والأمن للشعبين الفلسطينى والإسرائيلي. فحل الدولتين هو السبيل الأمثل لتحقيق السلام، بحيث يعيش الجميع بحرية وكرامة، بعيدًا عن الموت والكراهية.
■ كيف يمكن أن يتحقق مضمون هذه الاتفاقية على الأرض؟
دون جهود مصر والدول العربية والدول الدولية الداعمة، لما كان وقف إطلاق النار ممكنًا. القاهرة، بقيادة الرئيس السيسي، لعبت دور الوسيط النزيه، وضمنت التزامات الأطراف كافة. السلام على الأرض يتطلب متابعة مستمرة، بناء مؤسسات حقيقية، وضمان حقوق الإنسان لكل طرف، فهذا أساس السلام الحقيقي.
■ كيف يمكن أن تسهم القيادات الدينية فى بناء الثقة بين الشعوب؟
رجال الدين، مسيحيين ومسلمين ويهود، مطالبون بأن يكونوا سفراء للمحبة. وتابع: «علينا زرع قبول الآخر فى النفوس، واحترام العقائد المختلفة، وتربية الأجيال على المحبة والتعايش. التربية الدينية الحقيقية تمنح الأمل، وتعلمنا أن نعيش مع بعضنا البعض بسلام، وتمنح شعوبنا القوة لمواجهة التحديات والظلم».
■ هل تعتقدون أن السلام العادل ممكن أن يتحقق فى ظل الاحتلال؟
السلام لن يتحقق طالما بقى الاحتلال قائمًا. الاحتلال فى الضفة وغزة يعيق كل الشعور بالسلام، ويخلق شعورًا بالظلم وفقدان الأمل. العدالة وحقوق الإنسان أساس لأى سلام حقيقي.
■ كيف يؤثر الخطاب الديني على نجاح الاتفاقية؟
الخطاب الدينى فى الشرق الأوسط غالبًا ما يُستغل سياسيًا، وهذا يغذى النزاعات. التعصب الدينى فى الأوساط الإسرائيلية المسيحية، ووجود تيارات صهيونية متشددة، يبرر الاحتلال باسم الدين. وفى بعض الأوساط الإسلامية، الدين يُستخدم لتبرير العنف. كل هذا يعقد الوضع السياسى ويؤجج الصراع.
لكن الحوار بين الأديان يمكن أن يقرب البشر من بعضهم، ويؤسس لبيئة تفاهم وسلام.
■ هل يمكن لواشنطن أن تكون ضامنًا حقيقيًا للاتفاقية؟
أمريكا لها تأثيرها على إسرائيل، ودورها أساسى لتحقيق الالتزام بالاتفاقية. لكن السلام لا يقوم بالقوة فقط، بل بالعدالة والمتابعة الحقيقية لضمان حقوق الجميع».
كيف ترون إمكانية استغلال الزخم العالمى لصالح القضية الفلسطينية؟
الحرب أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة. الألم الذى شهده العالم أعاد الانتباه لمعاناة شعبنا، وهذه فرصة لإعادة المشروع الوطنى الفلسطينى إلى الصدارة عبر جهود سلام حقيقية.
■ كيف رأيتم دور مصر فى هذا الملف؟
نفخر بعلاقتنا مع الشعب المصري، ونشكر الرئيس السيسي، على كل خطوة نحو إحلال السلام ووقف الحرب. مصر كانت ضامنًا نزيهًا ومبادرًا بحكمة لضمان حماية الأبرياء وحقن الدماء.
■ ما المطلوب عربيًا بعد هذا الاتفاق؟ هل يكفى الدعم السياسى أم نحتاج إلى مشروع يحيى الأمل من جديد؟
الدعم العربى خطوة كبيرة، لكن غزة بحاجة إلى إعادة بناء شامل، مدارس ومستشفيات ومراكز حيوية. الشعب الفلسطينى وحده لا يستطيع مواجهة هذه التحديات، ويدعو لمساندة الدول الشقيقة.
■ ما دور الكنيسة فى دعم المشردين والمنكوبين فى غزة والضفة؟
المعاناة فى غزة كانت كبيرة، وزار البطاركة المدينة وشاهدوا حجم الألم لجميع السكان، وليس فقط المسيحيين. وبعد وقف الحرب، نأمل أن نتمكن من الوصول إلى المتضررين، ودعمهم، وإعادة بناء المدن لتكون أماكن للسلام والأمل. الشعب الفلسطينى بحاجة إلى دعم عربى ودولى لضمان استمرار وجوده.
تعزيز السلام
■ كيف يمكن للكنيسة الفلسطينية والمصرية العمل معًا كصوت للسلام الإنساني؟
رسالة الكنيسة اليوم هى الحفاظ على الوجود الفلسطينى فى الأراضى المقدسة، وضمان استمرار التعايش بين مختلف الأديان. التعاون بين الكنائس يعزز السلام، ويؤكد أن الإنسانية فوق أى نزاع سياسى أو ديني.
■ انتشر فيديوهات لحركة حماس تقوم بإعدامات فى الشوارع، كيف رأيتم ذلك؟
ما فعلته حماس غير مقبول إطلاقًا، فالقتل باسم الدين أو السلطة يفتك بالمجتمع ويفكك النسيج الاجتماعي. الحق فى الحياة حق مقدس يمنحه الله، ولا يجوز لأى طرف انتهاكه.
■ كيف تردون على من يستخدم الدين لتبرير العنف؟
الدين مرتبط بالله، والله يدعو إلى السلام والمحبة فى كل الأديان. يجب أن يكون الدين وسيلة للتفاهم والتعايش، لا للحرب والدمار.”
■ كيف تواجهون المسيحية الصهيونية ومطالبة الكنيسة الفلسطينية بإيجاد لاهوت فلسطيني؟
نعمل على لاهوت فلسطينى يفسر الكتاب المقدس بطريقة تدعم الوجود المسيحى الفلسطينى ويعكس روح العدالة والإنسانية. هذا الرد على التيارات الصهيونية المتشددة، ويؤكد الحق الفلسطينى فى أرضه”.
■ هل يمكن أن يكون لحوار الأديان حل للتعصب الدينى وفصل الدين عن السياسة؟
نعم، الحوار بين الأديان يقرب الإنسان من الآخر، ويخلق بيئة للتفاهم والتعايش. السلام هو غاية ديننا ورسالتنا لكل البشرية.

0 تعليق