في حياة كل إنسان لحظة يقف فيها أمام نفسه، يفكر في التغيير ومحاولة الهروب من حياة روتينية صنعها بنفسه وعاش فيها لسنوات طويلة، متردد في كل خطوة جديدة يخطوها تحت مسمى "المساحة الآمنة" والخوف من فقدانها، ليمر به العمر ويتمنى لو يعود الزمن به مرة أخرى ليبدأ من جديد، ويصحح أخطاء الماضي، فربما يتعلق الأمر بوظيفة مختلفة أو تجربة حياتية أو مغامرة لم يجرؤ على خوضها سابقا.
لكن في الغالب، بعد حالة عتاب مع النفس، يعود ليختبئ داخل دائرته التي يعيش فيها، بحجة أنه لا يريد أن يفقد حالة الهدوء والأمان الذي يعيشه حتى وإن كان هذا الأمان لا يمنحه السعادة أو الشعور بالنجاح.
الخوف من المجهول شعور طبيعي، لكنه كثيرًا ما يتحول إلى سجن يمنع صاحبه من رؤية النور، يجعل أيامه تتشابه بلا معنى، فالإنسان بطبعه يبحث عن الأمان، لكن المفارقة هنا أن هذا الأمان أحيانا يكون مجرد وهم، يقضي على الطموح واكتشاف الذات.
على سبيل المثال يخاف الإنسان أن يبدأ عملًا جديدًا لأنه لا يعرف إن كان سينجح فيه أم لا، فيخشى أن يترك عمله الذي قضى فيه سنوات طويلة على الرغم من أن هذا المكان، لا يُقدره، ولم يحصل فيه على حقه المادي والمعنوي، ولكنه يستمر تحت زعم "الآمان" والخوف من خوض تجربة جديدة، وربما أيضا يتردد في خوض علاقة جديدة خوفا من أن يُجرح، أو يفشل كما فشل من حوله.
وهناك من يؤجل قرارات كثيرة خوفا من خسارة فادحة لما يملكه، هكذا يحدثه عقله دائما عن الفشل لا النجاح، فهو لا يريد أن يخسر ما يملك، حتى وإن كان ما يملكه لا يُرضيه.
تلك المساحة الآمنة التي نعيش فيها قد تمنحنا استقرارًا مؤقتًا، لكنها في الحقيقة تسرق منا متعة التجربة، وفرصة النجاح، وإمكانية التغيير، فالخطر الحقيقي ليس في الفشل، بل في البقاء حيث نحن، دون محاولة أو سعي أو طموح.
الخروج من منطقة الراحة ليس سهلًا، لكنه الطريق الوحيد لاكتشاف الذات، علينا أن نحدث أنفسنا بأن كل بداية جديدة تحمل قدرا من الخوف، لكنها تحمل أيضا فرصة لحياة جديدة ربما تكون أفضل بكثير.
من يغامر ربما يتعثر، لكنه في النهاية يتعلم ويكبر وينضج، أما من يختبئ خلف الأمان الزائف، فيعيش ما تبقى من حياته في ندم شديد.
يا كل نفس خائفة من المجهول، ربما تكون الخطوة التي تخاف أن تخطوها اليوم، هي نفسها التي ستفتح لك فرصة لحياة أفضل تستحقها، اغتنم الفرص ولا تعيش "أكذوبة المساحة الآمنة"، اعقلها وتوكل.
0 تعليق