عزت البنا يكتب: طه الدسوقي.. عندما تصبح النكتة تهمة.. كوميديا المبالغة بين رؤية الفنان وحساسية المتلقي

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يكد الفنان طه الدسوقي ينهي فقرته الكوميدية في حفل افتتاح مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثامنة، حتى تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة جدل مشتعلة.

السبب؟ "إفيهات" ساخرة من علاقة الفنانين بالصحفيين، فُسّرت عند البعض على أنها إساءة، بينما رآها آخرون مجرد دعابة فنية لم تحتملها الآذان الحساسة.

المفارقة أن ما فعله طه الدسوقي لم يخرج عن إطار فن "الستاند أب كوميدي"، القائم بطبيعته على المبالغة والمفارقة والتهكم، وهي أدوات مشروعة في هذا النوع من الفنون، بل هي ما تصنع نكهته الخاصة.

الكوميديا دائمًا تُضخِّم الواقع لتكشفه، وتستخدم السخرية لتطرح سؤالًا أعمق عن علاقتنا بالأحداث والأشخاص. فهل مطلوب من الفنان أن يكون "جديًا" حتى وهو يصنع الضحك؟

من يهاجم طه اليوم ربما نسي أن الكوميديان لا يقدم بيانًا سياسيًا ولا محاضرة أخلاقية، بل يؤدي دور المرآة المكبرة التي تعكس ما لا نحب أن نراه في أنفسنا أو في ممارساتنا.

فحين يسخر من بعض الصحفيين، فهو لا يهين المهنة، بل يشير — ربما بذكاء ساخر — إلى علاقة شائكة بين الإعلام والفن تحتاج إلى حوار لا إلى غضب.

والمؤسف أن ردود الفعل العنيفة كشفت مرة أخرى أننا نعيش في زمن يفتقد روح الدعابة، حيث أصبحت النكتة تُحاكم كالجريمة، والمبالغة تُفسَّر كإهانة.

بينما في الحقيقة، كل فنان كوميدي يدرك أن السخرية ليست ازدراءً، بل طريقة تفكير مختلفة ترى المفارقة في المألوف وتضحك لتفكر.

طه الدسوقي، حتى وإن تجاوز في التقدير لدى البعض، فقد قدّم لحظة كوميدية حقيقية وسط حفل رسمي ملئ بالتصريحات الجافة والخطب التقليدية.

لحظة أعادت سؤالًا قديمًا: هل نحن فعلًا مستعدون لتقبّل الكوميديا كما هي؟ أم أننا نريد ضحكًا "مشروطًا" لا يقترب من أحد؟.

في النهاية، ما فعله طه لم يكن خطأ بقدر ما كان جرأة على أن يقول بصوت عالٍ ما يقوله كثيرون همسًا.

ولعل الدرس الأهم من هذه العاصفة أن الضحك، مهما بدا بسيطًا، سيظل مرآة تعكس هشاشتنا أكثر مما تسيء إلينا.

كلمة أخيرة

وبوصفي صحفيًا، أرفض تمامًا أي إساءة لمهنة الصحافة أو للصحفيين، فهي مهنة شريفة تقوم على البحث عن الحقيقة واحترام الكلمة.

لكن في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل أن بعض الأصوات في الوسط الصحفي — دون تعميم — أصبحت تتعامل مع أي نكتة أو تعليق فني كأنه هجوم شخصي، لتتحول الكوميديا إلى ساحة خصام بدلًا من أن تكون مساحة للتأمل والضحك.

نقد السلوك لا يعني الإساءة للمهنة.. والفنان الذي يبالغ ليس بالضرورة يهاجم.

ربما آن الأوان أن نفهم أن الفن لا يتعارض مع الاحترام، لكنه أيضًا لا يعيش دون حرية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق