جيروزاليم بوست: الفيتو الفلسطيني أكبر عقبة أمام التطبيع بين إسرائيل وإندونيسيا

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ينظر إلى إندونيسيا بوصفها أكبر بلد إسلامى فى العالم من حيث التعداد السكاني، وقد أثارت أنباء عزم الرئيس برابوو سوبيانتو زيارة إسرائيل بعد مشاركته فى قمة شرم الشيخ الإثنين الماضي، موجة من الانتقادات أدت فى النهاية إلى إلغاء الزيارة وصرح وزير الخارجية سوجيونو بأنه لا توجد خطة من هذا القبيل، مؤكدًا أن برابوو سيعود إلى جاكرتا بعد حضور قمة السلام بشأن غزة فى شرم الشيخ بمصر.

ولكن يبدو أن هناك مؤشرات لتطبيع العلاقات بين إندونيسيا وإسرائيل، خاصة أن جاكرتا أعربت عن استعدادها استقبال ألف فلسطينى بشكل مؤقت فى شهر أبريل الماضي، وهو أمر يتماهى مع خطط تل أبيب لتهجير الفلسطينيين من غزة.

وفى هذا الإطار تحدثت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية، فى تقرير لها الحديث حول احتمالية تطبيع العلاقات الإندونيسية الإسرائيلية، قالت فيه إنه حتى لو كانت هذه التقارير سابقة لأوانها، إلا أنها كشفت عن أمر مهم وهو لأول مرة، أن التطبيع مع أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة فى العالم يقترب الآن من الأفق الاستراتيجى لذا، يجب على إسرائيل أن تبدأ فى الاستعداد لذلك.

وأضافت الصحيفة العبرية أنه مع ذلك، فإن الاستعداد، وليس التسرع، هو الكلمة المفتاح ويجب على إسرائيل ألا تتسرع فى اتخاذ خطوات دراماتيكية نحو جاكرتا وبدلًا من ذلك، يجب عليها أن تبنى بهدوء البنية التحتية السياسية والاجتماعية والمفاهيمية اللازمة عندما تنفتح تلك النافذة حقًا حيث تُمثل إندونيسيا فرصة استثنائية لإسرائيل، لكن التخطيط الاستراتيجى الدقيق ضرورى لتحقيق النجاح.

وأشارت الصحيفة إلى أن إندونيسيا فى عهد الرئيس برابوو سوبيانتو، دخلت مرحلة جديدة من براغماتية السياسة الخارجية ونشاطها، حيث تُجسّد الدبلوماسية الأخيرة لها، بما فى ذلك موقفها الحذر من غزة ودعواتها إلى ضبط النفس الإنسانى دون خطاب تحريضي، والرسالة المُهدئة التى وجهتها فى خطابها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سياق الصراع الإسرائيلى الفلسطيني، أسلوب قيادة حازم ومدروس – وفق تعبير الجريدة.

وأوضحت جيروزاليم بوست أن برابوو يريد أن ينظر إلى إندونيسيا كقوة مسئولة ومهمة فى العالم الإسلامي، قادرة على الموازنة بين القيادة الأخلاقية والسياسة الواقعية، وهذا التحول فى الهوية مهم. 

وقالت إن طموحات إندونيسيا العالمية - الانضمام إلى مجموعة العشرين، وتوسيع صناعتها الدفاعية، وتعميق نشاطها الإقليمى من خلال رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وتوثيق التعاون مع دول الخليج العربي، على سبيل المثال - جعلتها براغماتية بشكل متزايد.

ولفتت إلى أنه فى القطاعات التى تتفوق فيها إسرائيل فى الأمن السيبراني، والاستجابة للكوارث، والتكنولوجيا الطبية، وإدارة المياه، والزراعة الذكية، هناك إمكانية للتعاون الهادئ ذى المنفعة المتبادلة. وراء هذا الحذر السياسي، يُدرك المجتمع الاستراتيجى فى جاكرتا أن الخبرة التكنولوجية الإسرائيلية تتماشى مع أهداف التحديث فى إندونيسيا، ومع ذلك، لن يتحقق هذا التعاون عبر قنوات سياسية مباشرة - على الأقل حتى الآن بل سيحتاج إلى أن يبرز من خلال أطر غير مباشرة: شراكات أكاديمية، وتنسيق إنساني، وحوارات ثنائية تُؤطر المشاركة على أنها غير سياسية، وشعبية، ومتوافقة مع الهوية الأخلاقية لإندونيسيا.

ونوهت جيروزاليم بوست إلى أن هنا تكمن المفارقة فلا تزال السياسة الخارجية لإندونيسيا تتأثر بشدة بإرثها المناهض للاستعمار والتضامن الإسلامي. 

76d591b295.jpg

وقالت إن دعم الدولة الفلسطينية ليس مجرد موقف دبلوماسي، بل هو جزء من الخطاب الوطنى لإندونيسيا وأحد أهم مبادئ سياستها الخارجية وعلاوة على ذلك، ينظر العديد من المسلمين فى إندونيسيا إلى دعم القضية الفلسطينية من منظور إسلامى عام أوسع، بالإضافة إلى ذلك، يربط الرأى العام بقوة القضية الفلسطينية بالشرعية الأخلاقية التى تُحدد الفرق بين السياسة الخارجية العادلة والظالمة.

وأكدت صحيفة جيروزاليم بوست أن هذا "الفيتو الفلسطيني" هو العقبة الأكبر أمام التطبيع، على عكس ممالك الخليج، فإن الديمقراطية الإندونيسية تجعل هذه المشاعر القائمة على الهوية مُلزمة سياسيًا، وأى خطوة نحو إسرائيل دون إحراز تقدم ملحوظ فى القضية الفلسطينية من شأنها أن تُعرّض البلاد لرد فعل عنيف، وتُقوّض مصداقية برابوو الحذرة.

وأضافت أنه بالنسبة لإسرائيل، لا ينبغى اعتبار هذا القيد عقبة يجب تجاوزها، بل شرطًا يجب إدارته بذكاء، وتتطلب أى استراتيجية إسرائيلية ناجحة تجاه إندونيسيا التعاطف، لا نفاد الصبر. 

وأشارت إلى أن الاعتراف الرمزى بالكرامة الفلسطينية - من خلال التنسيق الإنساني، والمبادرات المشتركة فى مجال الصحة أو الطاقة المتجددة، والتى تشمل المشاركة الفلسطينية - يمكن أن يُقلل من التكلفة الأيديولوجية للمشاركة بالنسبة لجاكرتا ويجب أن يُنظر إلى التطبيع، إن وُجد، فى إندونيسيا ليس على أنه تخلٍّ عن فلسطين، بل على أنه توسيعٌ لنطاق التعاون العملى من أجل السلام.

وقالت إن أعظم رصيد دبلوماسى لإندونيسيا هو قوتها الناعمة وصورة ديمقراطية معتدلة داخل دولة ذات أغلبية مسلمة، تُعزز التسامح والاعتدال، ما يجعلها جسرًا مثاليًا بين الشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندى والهادئ. 

ولفتت إلى أنه بدلا من محاولة تحويل إندونيسيا إلى شريك "جديد فى اتفاق إبراهيم"، ينبغى على إسرائيل أن تُمثّل نفسها كمحاور بنّاء ضمن الإطار الأخلاقى لإندونيسيا: التنمية، والتكنولوجيا، والمرونة الإنسانية وهذا يعنى أيضًا الاستثمار فى الروابط غير الحكومية والمهنية فالتبادلات الأكاديمية، والتعاون فى قطاع الصحة، والمشاركة المشتركة فى التدريب على الإغاثة من الكوارث، من شأنها أن تُرسّخ التصورات بهدوء قبل أى احتفال دبلوماسى بوقت طويل.

وأكدت الصحيفة أن المهنيين الإسرائيليين والإندونيسيين يلتقون بالفعل فى سياقات متعددة الأطراف، سواءً فى منتديات المناخ الإقليمية أو مبادرات الأمم المتحدة لإدارة الكوارث، مضيفة أن إضفاء الطابع الرسمى على هذه الاتصالات، ولو بشكل غير مباشر، من شأنه أن يبنى الثقة ويُخفّف من المعارضة العاطفية تجاه إسرائيل داخل المجتمعات الإسلامية فى جنوب شرق آسيا.

واختتمت الصحيفة تقريريها بالقول إنه لا يبدو تطبيع إسرائيل مع إندونيسيا وشيكا، ولكنه لم يعد مستحيلا وستختبر السنوات المقبلة قدرة تل أبيب على الجمع بين الاستشراف الاستراتيجى والحساسية الثقافية والفرصة هائلة فالتواصل مع أكبر عدد من السكان المسلمين وثالث أكبر ديمقراطية فى العالم قد يُعيد تشكيل مكانة إسرائيل فى الجنوب العالمي، ويُوسّع شراكاتها الاقتصادية والأمنية فى جميع أنحاء آسيا.

لكن الخطر حقيقى بنفس القدر فسوء فهم البوصلة الأخلاقية لإندونيسيا أو اعتبار التطبيع صفقةً تعاقديةً سيؤدى إلى نتائج عكسية كارثية ويتطلب الاستعداد لهذا المسار أيضًا تنسيقًا إقليميًا.

لا يمكن لإسرائيل التعامل مع إندونيسيا بمعزل عن غيرها. دول مثل أستراليا وسنغافورة، اللتان تحافظان على علاقات معقدة لكن مستقرة مع جاكرتا، يُمكن أن تُصبحا وسيطين قيّمين فكلتاهما تتمتعان بمصداقية فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، وعلاقات دفاعية وثيقة مع إسرائيل، وثقة راسخة مع إندونيسيا ويمكن للمشاورات الثلاثية الهادئة حول المبادرات الإنسانية والتعليمية والمتعلقة بالمناخ أن تُشكّل جسرًا بين تل أبيب وجاكرتا، مما يضمن أن يكون التطبيع، عند حدوثه، قائمًا على تفاهم إقليمى مشترك بدلًا من المفاجآت الثنائية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق