في مواسم الاضطراب، حين يعلو الغبار على الطرقات وتتشابك الأصوات حتى يصعب التمييز بين الصدق والزيف، يبرز سؤال قديم لا يفقد حضوره:
هل ما زال للمبدأ مكان في عالمٍ يتغيّر كل يوم؟
لقد أصبح الزمن سريعًا، تتداخل فيه المصالح، وتتلألأ فيه وعودٌ قصيرة العمر تُبهر بعض الناس، فتدفعهم إلى التنازل عن قيمٍ كانوا يومًا يفاخرون بها؛ وفي خضم ذلك كله، تظهر فئة من البشر لا تستدرجها هذه اللمعات العابرة، ولا تغريها المكاسب التي تأتي بثمنٍ خفيّ.
هؤلاء يسيرون بثبات، لأنهم يدركون أن القيمة الحقيقية لا تُقاس بما يملكه الإنسان، بل بما يحافظ عليه.
يعرفون أن بعض الطرق تفتح أبوابها لمن يُحسن الانحناء، لكنهم اختاروا الطريق الأصعب: أن يمشوا مستقيمين، ولو خسروا ما يكسبه غيرهم بسهولة.
وفي مشاهد كثيرة نراها اليوم، قد يختلط على الناس مَن يعمل للصالح العام بمن يعمل لمصلحته الخاصة؛ ومَن يبحث عن خدمة وطنه بمن يبحث عن كرسي يرفعه أو وجاهة تُعرّفه؛ ورغم هذا الغموض، يبقى هناك من يقدّم جهده دون ضجيج، ويظل وفيًّا لقيمه مهما تغيّرت الظروف.
إنهم يؤمنون أن العمل الحقيقي لا يحتاج إلى إعلان، وأن الثبات على المبدأ ليس ضعفًا ولا سذاجة، بل هو امتحانٌ للضمير؛
ويعرفون أن الكرامة لا تُساوم، وأن الإنسان إذا فرّط في ما هو أثمن من مصلحةٍ عابرة، خسر نفسه ولو ربح العالم.
وحين يهدأ الغبار ويستعيد المشهد وضوحه، يظهر الفرق جليًا: الوجوه التي لمعَت لحظة تختفي، أما الذين بقوا على العهد فهم الذين يُكتب لهم البقاء في ذاكرة الناس.
فالقيم ليست رفاهية، ولا المبدأ مجرد شعار؛ إنه معيارٌ يُميز من يزرع بإخلاص، عن من يجمع ما زرعه الآخرون؛ وحين تمضي الأيام، لا يبقى إلا ما كان خالصًا وصادقًا…
ويبقى أهل المبدأ مهما تغيّر كل شيء من حولهم.
















0 تعليق