يقسم المصرى القديم، فى معرض دفاعه عن نفسه يوم القيامة، فى كتاب الموتى، بأنه لم يلوث مياه النيل ولم يسرق ولم يعتدِ على حرمة جاره.
اليوم يبنى البعض مباشرة على النهر فيقترف الموبقات الثلاثة، من تلوث للنهر، وسرقة حق المجتمع فى الاستمتاع بالنيل بلا معوقات بصرية ولا كتل أسمنتية، والاعتداء على حرمة وقدسية النهر العظيم فى تحدٍ صارخ لقيم الحق والخير والجمال.
ويجد هذا البعض أنه من الطبيعى التعدى على طرح النيل، أو ما يسمى مسطاح النيل، وهو الجزء المائل بين الشارع وسطح الماء، ومع أن النيل للجميع هو شريان الحياة لمصر إلا أن البعض يرى أن من حقه بمفرده استعمال هذا الشريان لإمداده هو فقط بالحياة الرغدة السعيدة والمنظر الجمالى الخلاب، بلا مراعاة لحق المجتمع الطبيعى فى المشاركة للاستمتاع بكل تلك القيم الجمالية والنفعية المفترض أنها للجميع.
النيل أقدس من أن يُبنى عليه مباشرة، أو أن يُعتدى على حرمته ببناء النوادى المهنية، أو الملاهى، أو المقاهى، أو الذهبيات، التى تنتشر فى كل مكان بلا احترام للبيئة أو لتاريخ أو جغرافيا.
النيل حق لكل الناس بلا تمييز ولا نخبوية، ولا يعنى تملك فئة من المجتمع المال أو السلطة فى مرحلة تاريخية معينة أن يُسمح لها بهذا القدر من الاعتداء على أجمل وأجلّ وأقدس شريان للحياة فى مصر.
أما البحر فالمشكلة اليوم أصعب من أن تُحل بسهولة فى المستقبل القريب بسبب القرى التى يطلق عليها سياحية، والتى بتعددها وانتشارها على طول البحرين المتوسط والأحمر أصبحت عصيّة تمامًا على مجرد تصور حل حضارى يسمح لعموم الناس بالاستمتاع البرىء بالبحر، سباحةً ومطلًا وهواءً، كما هو متحقق على كورنيش الإسكندرية، كما لا يضيع حقوقًا أصبحت راسخةً لكل من يتملك هناك بيتًا أو شاليهًا أو عشةً.
فى مقالات سابقة تحدثنا عن كثير من المشاكل العمرانية والمعمارية، واقترحنا حلولًا لإثراء الحوار وتحفيز الأذهان على التفاعل والمشاركة لإيجاد بيئة صحية إنسانية تحقق التوازن بين متطلبات التنمية الشاملة والحماية المستدامة للبيئة، على المستويين القريب والبعيد، أما هذه المشكلة التى تمس النهر والبحر فلا أجد لها حلًا واقعيًا جازمًا لا يصطدم بمصالح فئات متعددة نافذة، ولا يمد يده فى عش الدبابير، ولا يعلّق الجرس فى رقبة القط، ولا أملك إلا طرح المشكلة للحوار بحثًا عن حلول بناءة واقعية وعادلة، ويبقى الحل معلقًا بقرارات شجاعة لها رؤية مستقبلية مخلصة وقدرة فاعلة مُحبة لتراب هذا الوطن العظيم.













0 تعليق