على مدى أكثر من ٤ عقود، نجحت جماعة الإخوان فى بناء واحدة من أكبر قواعد نفوذها فى أوروبا داخل السويد، التى تُعدّ رمزًا للشفافية والرفاهية الاجتماعية. فخلف الصورة الهادئة لتنظيمات الجماعة فى السويد، تظهر شبكة متكاملة من المؤسسات الدينية والتعليمية والخيرية والسياسية، تعمل كمنظومة واحدة لإعادة إنتاج مشروع التنظيم الدولى، بتمويل حكومى سويدى من جهة، ودعم مباشر من دول تحتضن الجماعة الإرهابية من جهة أخرى.
ووفقًا للتقارير الرسمية للأجهزة الأمنية السويدية، يعمل نحو ٢٠٠٠ متطرف داخل مؤسسات تابعة للجماعة، ولتكتمل خطتها فى السيطرة المالية والسياسية نجحت فى اختراق الحزب الإسلامى السويدى، لتكون البلاد أمام مشروع كامل لا يدار بسرّية، بل يعمل تحت مظلة قانونية واسعة، يستغلها التنظيم ببراعة لتكديس الأموال، وبناء نفوذ سياسى، وإدارة شبكات مالية تتصل بفرنسا وتركيا وبريطانيا.
«الرابطة الإسلامية».. حكومة سرية وموازية وصندوق للمال الأسود
تأسست الرابطة الإسلامية فى السويد عام ١٩٨١، كمظلة جامعة للمنظمات الإخوانية. وتُعد النسخة السويدية مما فعلته الجماعة فى أمريكا عبر مؤسسات «ماس، وكير، وإسنا».
ففى الدول الأوروبية لا تستخدم الجماعة اسم «الإخوان المسلمين»، بل تتخفى وراء منظمات مدنية، تبدو فى الشكل ممثلة للجاليات المسلمة، لكنها فى الحقيقة تعمل وفق هيكل تنظيمى محكم مرتبط مباشرة بقيادة التنظيم الدولى بقيادة محمود الإبيارى وصلاح عبدالخالق.
ورغم أن الرابطة تمثل خطورة على دولة السويد، إلا أنها لم تدرج حتى الآن كمنظمة إرهابية، بينما أدرجتها دولة الإمارات عام ٢٠١٤، ووضعتها على قوائم الإرهاب.
وفى ٢٠١٨، صنفت هيئة التأهب وحماية المجتمع السويدية MSB الرابطة ضمن أخطر المنظمات ذات الطابع الإخوانى فى أوروبا، وأوصت بفرض رقابة أمنية مشددة عليها، خاصة بسبب امتلاكها ٢٣ منظمة تعمل كشبكة واحدة.
وتدير الرابطة واحدة من أعقد البُنى المؤسسية للتنظيم الدولى فى أوروبا، ومن أبرز كياناتها المجلس الإسلامى السويدى SMR، ومؤسسة ابن رشد التعليمية، واتحاد المدارس الإسلامية، ورابطة الشباب المسلم FUMS، واتحاد الطلبة المسلمين، وجمعية المرأة المسلمة، واتحاد الكشاف المسلم، ومؤسسة قارئ القرآن، ومنظمة الأئمة الأوروبية، ومؤسسة أصدقاء القدس، والإغاثة الإسلامية، وسنابل الأقصى، وجمعية الرحمة، والإغاثة الإرترية، والإغاثة التونسية.
وتشرف الرابطة كذلك على أكبر مساجد السويد، وعلى رأسها مسجد ستوكهولم، الذى يُعد المركز الرئيسى لتجنيد القيادات الشابة، وتدوير الكوادر نحو العمل السياسى والاجتماعى، وتم تأسيسه عام ٢٠٠٠، ومسجد جوتنبرج، وتم افتتاحه عام ٢٠١١، وعين الإخوان أحمد غانم إمامًا بالمسجد.
وشهدت السويد أيضًا صفقة لجماعة الإخوان الإرهابية عام ١٩٩٩ بين الحركة الاشتراكية الديمقراطية والمجلس الإسلامى التابع للتنظيم الدولى، وبموجبها حصل المجلس الإسلامى على عدد من المناصب الآمنة فى القوائم الحزبية مقابل دعمه للديمقراطيين الاشتراكيين، ومنذ ذلك الحين ازداد عدد الحركات والجماعات التابعة للجماعة وحصلت على تمويل من الخزينة العامة للدولة.
اختراق «الحزب الإسلامى السويدى».. والسيطرة على الناخبين بالمنظمات الخيرية
لم يكتفِ الإخوان بالمدارس والجمعيات، بل تسللوا إلى العمل السياسى داخل السويد تدريجيًا، وخلال السنوات الأخيرة، نجحت فى اختراق الحزب الإسلامى السويدى، وهو حزب كان يُفترض أنه يمثل المهاجرين، لكنه اليوم خاضع بالكامل لسيطرة الرابطة الإسلامية.
والحزب الإسلامى بالسويد هو حزب «نيناس» الذى أسسه ميكيل يوكسل عام ٢٠١٩، وهو سياسى سويدى من أصل تركى ومعروف صلاته بـ«الذئاب الرمادية» التركية وهو الجناح المتشدد لحزب الحركة القومية المتطرفة فى تركيا الذى ينتمى إليه والده، وهى شريك فى ائتلاف حزب العدالة والتنمية الذى يتزعمه الرئيس أردوغان.
ولم يكن «نيناس» أول حزب إسلامى يخترقه الإخوان فقد سبقه حزب «جاسين» عام ٢٠١٧ الذى أعلن عن نيته صراحة اتباع الشريعة الإسلامية، واستطاعت الجماعة الوصول إلى منصب وزارى فى حكومة ستيفات لوفين عام ٢٠١٤ عن طريق الإخوانى محمد كابلان.
وحسب تقارير سويدية، ضخت تركيا تمويلًا كبيرًا عبر هيئات مرتبطة بحزب العدالة والتنمية، وأرسلت مستشارين سياسيين لتدريب كوادر الحزب، وتولى قياديون إخوانيون إدارة الحملات الانتخابية، وفرضت منظمات مثل ابن رشد والمجلس الإسلامى سيطرة على قواعد الحزب الشعبية. وتحول الحزب الإسلامى إلى ذراع سياسية للتنظيم الدولى، يضغط للحصول على تمويلات أكبر للمدارس والجمعيات، التى ستصب بدورها فى شبكة المراكز الإخوانية، مثلما كشفت صحيفة إكسبريسن فى التحقيق الاستقصائى الذى رصد اختلاس إخوان السويد للدعم الحكومى لمدارس ورياض أطفال مرتبطة بالإخوان حصلت على تمويل حكومى ضخم، ثم حولته إلى شبكات تابعة للتنظيم الدولى ومنها المجلس الإسلامى الأوروبى فى فرنسا. ولم تكن فضيحة إكسبريسن محاولة فردية، بل جزء من منظومة عمل جماعة الإخوان فى أوروبا، وبحسب التحقيق، فإن الاختلاس تجاوز ١٠٠ مليون دولار، وهى أموال كانت مخصصة لتعليم الأطفال، لكنها استُخدمت لتثبيت شبكات الجماعة وتوسيع نفوذها.
الإخوانى بشير أمان «مرشد الاختلاس».. و2000 متطرف يديرون المدارس والمساجد
لم تكن فضيحة اختلاس إخوان السويد لـ١٠٠ مليون دولار هى الأولى من نوعها، فقد سبقتها قضية بشير أمان عام ٢٠١٨ التى تعد أحد أهم مفاتيح فهم منهج الجماعة فى السويد.
وأدان القضاء السويدى «أمان» بالسجن ٤ أعوام ونصف العام، بعدما اختلس ١٠ ملايين كرونة من مؤسسة تعليمية تدير مدارس تسمى «الأزهر» تابعة لإخوان السويد والرابطة الإسلامية، وقام بتحويل الأموال إلى شركات يديرها بنفسه، كما مرر قروضًا غير قانونية عبر مؤسسات خيرية، واستخدم حسابات موازية لإخفاء التحويلات.
كما يعد هيثم رحمة واحدًا من أخطر قيادات الإخوان فى أوروبا؛ إذ شغل مناصب داخل الرابطة الإسلامية، ثم انتقل إلى العمل الإغاثى، واتهمته السلطات السويدية عام ٢٠١٣ بتهريب أسلحة لجماعات تكفيرية سورية، واستخدام الإغاثة الإسلامية كغطاء للنقل، وخرق قوانين حيازة السلاح، وتورطه فى جمع تبرعات تستخدم فى القتال المسلح.
ورغم أنه كان إمام مسجد ستوكهولم، رئيس المنظمة الأوروبية للأئمة، وعضو الائتلاف السورى المعارض لنظام بشار الأسد، ومنسق هيئة حماية المدنيين، إلا أن السويد اكتشفت أنها كانت تستضيف قياديًا يربط بين المساجد الأوروبية والجماعات المسلحة فى سوريا منذ عام ٢٠١٣.
كما رصدت أجهزة الأمن السويدية وجود٢٠٠٠ شخص مصنفين كمتطرفين يعيشون داخل بيئات مغلقة، معظمها مرتبطة بمدارس ومساجد الرابطة الإسلامية.
هذه البيئات تتضمن فصلًا ثقافيًا عن المجتمع، وخطابًا أيديولوجيًا ذا طابع إخوانى، ونشاطات شبابية ونسائية مغلقة، ومعسكرات لتعليم «الهوية الإسلامية».
وهذه النتائج ليست عشوائية، بل هى انعكاس مباشر لطريقة عمل الإخوان فى بناء مجتمع موازٍ داخل الدول الديمقراطية، بهدف السيطرة على الجاليات، وتوجيهها سياسيًا، واستخدامها كورقة ضغط، وتحصيل المال العام، وتحويله للتنظيم الدولى للجماعة حسب تعليمات محمود الإبيارى الأمين العام للتنظيم الدولى.
وحسب تقارير MSB والهيئات السويدية المالية، فإن جماعة الإخوان تستخدم مسارًا ثابتًا لتحويل الأموال يعتمد على منح الحكومة السويدية تمويلًا للمدارس والجمعيات، ثم تحويل الأموال لشركات خدمات ذات ملكية إخوانية، ثم تنتقل التحويلات إلى المجلس الإسلامى الأوروبى فى باريس التابع للتنظيم الدولى للجماعة، ويتم إرسال جزء من الأموال إلى إسطنبول ولندن حيث مراكز نفوذ التنظيم الدولى.
وهذا المسار هو نفس ما تفعله الجماعة فى ألمانيا وهولندا وفرنسا وبريطانيا عبر نفس الأدوات، ونفس المؤسسات ونفس الآلية.













0 تعليق