دعا عدد من الخبراء فى مجالات التعليم والطب النفسى وحقوق الطفل والقانون إلى تشديد الرقابة على المدارس الدولية، والتأكد من مستوى تأهيل العاملين فيها؛ وذلك بعد تكرار المخالفات الفادحة فى هذه المدارس، وآخرها ما حدث داخل مدرسة «سيدز» الدولية بالعبور، حيث تجرد ٤ عاملين بالمدرسة من الإنسانية والضمير، واعتدوا جنسيًا على ستة أطفال فى مرحلة الـKG٢ على مدار عام كامل، مستغلين ضعف الأطفال وقلة حيلتهم، قبل الكشف عن الواقعة بالصدفة وإحالة المسئولين عنها للتحقيق، ووضع المدرسة تحت الإشراف المالى والإدارى الكامل لوزارة التربية والتعليم.
وأكد الخبراء، خلال حديثهم، لـ«الدستور»، أن تلك الواقعة الأخيرة تدق جرس إنذار فى المجتمع بأسره، لأنها تكشف عن التناقض الصارخ بين ما يَعِد به بعض المدارس الخاصة والدولية من مستوى تعليمى ورعاية فائقة، وما يحدث فى الواقع خلف الأبواب المغلقة، مشيرين إلى أهمية إخضاع كل العاملين بالمدارس إلى الكشف الجنائى وتحاليل المخدرات والتأكد من تأهيلهم نفسيًا وسلوكيًا للتعامل مع الأطفال، فضلًا عن فرض التعدد فى مستويات الإشراف داخل المدارس، بما يحول دون تكرار الواقعة.
مُحامٍ: عقوبات هتك العرض تتراوح بين السجن 15 عامًا والمؤبد والإعدام فى «حالات خاصة»
ذكر على صبرى، محام، أن العقوبة القانونية لهتك العرض بالنسبة للأطفال الذكور، إذا كان الجانى له سلطة على المجنى عليه كما هو الحال فى المدارس ورياض الأطفال، تختلف حسب ظروف ارتكابها؛ إذ إن العقوبة تصل إلى السجن المؤبد إذا وقعت تحت التهديد، بينما تبلغ ١٥ عامًا إذا حدثت دون تهديد.
وقال: «أما عقوبة التحرش بالإناث الذى يصاحبه أى تلامس جسدى من شخص له سلطة على الأطفال الصغار يجعل الطفلة عاجزة عن الدفاع عن نفسها- فتصل إلى الإعدام»، مبينًا أن استغلال السلطة فى مثل هذه الجرائم يُعد من أخطر الانتهاكات داخل بيئات التعليم، لما له من تأثير بالغ على سلامة الأطفال النفسية والجسدية.
ولفت إلى أن «هناك انتشارًا واسعًا لوقائع التحرش بالأطفال، سواء الذكور أو الإناث، وهو ما أراه خلال عملى بالمحاماة»، مؤكدًا ضرورة تشديد الرقابة على المدارس بجميع أنواعها، والتأكد من خلفيات العاملين، إلى جانب توعية الأطفال بحقوقهم وحدودهم الجسدية والنفسية.
وشدد على أن أى تقصير فى تطبيق هذه الإجراءات يترك الأطفال عُرضة للخطر، داعيًا لضرورة أن تتضافر الجهود القانونية والتربوية؛ للحد من أى محاولات استغلال السلطة أو التحرش داخل المدارس.
خبير تربوى: تكثيف كاميرات المراقبة.. وتعدد مستويات الإشراف على العاملين لضمان الرقابة الكاملة
رأى تامر شوقى، الخبير التربوى أستاذ التقويم التربوى بجامعة عين شمس، أن مسئولية الانتهاكات التى تحدث للأطفال داخل المدارس تقع فى المقام الأول على إدارات تلك المدارس، مشيرًا إلى أن ذلك لا ينفى الدور الذى تتحمله الأسرة فى متابعة أطفالها ومراقبة سلوكياتهم.
وقال «شوقى»، لـ«الدستور»، إن بعض الوقائع الأخيرة أوضح أن عملية اختيار العاملين فى بعض المدارس تتم بشكل عشوائى، دون مراعاة المعايير التربوية والنفسية، مؤكدًا أن اختيار العاملين بالمدارس يجب أن يكون دقيقًا، بحيث يتم انتقاء أشخاص متخصصين ومؤهلين نفسيًا وسلوكيًا.
كما شدد على ضرورة وجود مستويات إشراف متعددة داخل المدارس، وليس مجرد مستوى واحد، وذلك لضمان الرقابة الكاملة على الفصول والمرافق، لافتًا إلى أن غياب كاميرات المراقبة فى العديد من المدارس الخاصة والدولية، التى تصل رسوم بعضها أحيانًا إلى أكثر من ١٠٠ ألف جنيه- يمثل ثغرة كبيرة فى تأمين الطلاب.
وأوضح أن الكاميرات يجب أن تغطى جميع الممرات والفصول والأماكن الحيوية والمخبأة داخل المدرسة، منوهًا بأن ما شهده العديد من المدارس الخاصة والدولية من حوادث تحرش وتنمر وانعدام الأمان يبرز ضعف الرقابة على هذه المدارس، داعيًا إلى تشديد الإشراف على المدارس، وتطبيق إجراءات صارمة لحماية الطلاب وضمان سلامتهم الجسدية والنفسية.
وعن مسئولية الأسرة، قال الخبير التربوى: «على الأمهات متابعة أى سلوكيات غريبة تظهر على الأطفال، مثل: البكاء المفاجئ أو التأتأة أو علامات الارتباك، وكذلك أى آثار جسدية قد تشير إلى تعرض الطفل للتحرش».
وشدد على ضرورة فتح حوار صادق مع الأطفال، والاستماع إليهم دون أى تعنيف، لإتاحة الفرصة لهم للبوح بما يحدث لهم، مشيرًا إلى أهمية تعليم الأطفال حدودهم الجنسية والمكانية، وعدم السماح لأى شخص بتجاوزها.
وكيل وزارة سابق بـ«التربية والتعليم»: إجراء تحاليل مخدرات بشكل دورى للعاملين وتعزيز الرقابة الحكومية على «الخاصة والدولية»
أعرب طه عجلان، وكيل وزارة التربية والتعليم السابق بالإسماعيلية، عن دهشته واستيائه مما حدث مؤخرًا من حوادث تحرش بالأطفال فى بعض المدارس الخاصة، موضحًا أن ما حدث يعكس وجود تقصير وخلل لا يُغتفر من أطراف عدة فى المنظومة، سواء من مشرفى الدور، المكلفين بمراقبة الأطفال طوال اليوم الدراسى، أو من المربيات والدادات المكلفات بمرافقة الأطفال الصغار، وغيرهم، متسائلًا عن سبب ترك الأطفال دون إشراف وعدم ملاحظة أى علامات تشير لسوء المعاملة.
وقال إن وزارة التربية والتعليم تتحمل مسئولية التأكد من التزام المدارس الخاصة والدولية بالإجراءات الوقائية، واختيار العاملين المؤهلين والملتزمين، لأن أى تقصير أو إهمال من المشرفين أو إدارات المدارس يضع سلامة الأطفال وحياتهم فى خطر، ويستدعى محاسبة المسئولين، واتخاذ إجراءات عاجلة؛ لضمان عدم تكرار مثل هذه الوقائع.
وأضاف «عجلان»: «أى شخص يُعين للعمل بالمدارس، سواء من المديرين أو المعلمين أو الإداريين أو موظفى الأمن أو النظافة، يجب أن يخضع لكشف صحيفة جنائية حديث، بالإضافة إلى إجراء تحاليل مخدرات بشكل دورى، لضمان سلامة الأطفال وحمايتهم، وهذه الإجراءات تشكل خط الدفاع الأول لحماية الطلاب فى جميع مراحل التعليم، لا سيما مرحلة رياض الأطفال.
وأشار إلى أن المدارس الخاصة والدولية، بما فيها مرحلة «كى جى»، من المفترض أنها تخضع لإشراف كامل من وزارة التربية والتعليم، عبر إداراتها التعليمية، التى تمتلك شئونًا قانونية خاصة بكل منطقة، مؤكدًا أن اختيار العاملين بهذه المدارس من المفترض كذلك أنه يتم تحت إشراف ورقابة الوزارة، مع المتابعة المستمرة من مكتب العمل، لمراجعة بيانات العاملين أولًا بأول، وضمان التزامهم بالمعايير القانونية والأخلاقية.
مدربة فى مجال حقوق الطفل: توفير «مساحات آمنة» أمام الأطفال للحديث عن أى مضايقات يتعرضون لها
قالت أمل جودة، محامية ومدربة فى مجال دعم حقوق الطفل، إن مصر تُعد من أوائل الدول التى صادقت على اتفاقية حقوق الطفل، وجرى تعديل قانون الطفل بما يتماشى مع نصوص الاتفاقية لضمان حماية الأطفال بشكل كامل.
وأضافت: «جميع المدارس، سواء الخاصة أو الحكومية، يجب أن تكون ملزمة بنص قانونى بالاطلاع على الاتفاقية والقانون الداخلى للطفل، وأن يكون العاملون بها على دراية كاملة بسياسات الحماية وطرق التعامل مع الأطفال وتأمين سلامتهم، مع ضرورة توقيعهم على هذه السياسات والموافقة على تطبيقها، لضمان وجود آليات للمحاسبة وفرض الجزاءات فى حال الانتهاك». وأشارت إلى أن «الواقع الحالى يشير إلى وجود قصور واضح فى تأهيل العاملين فى المدارس ورياض الأطفال ودور الرعاية؛ إذ يفتقر العديد من المؤسسات إلى كفاءات متخصصة»، موضحة أن الرقابة على المدارس ضعيفة، سواء من الوزارة أو من الجهات الرقابية المستقلة، وفى كثير من الحالات تُترك الفصول والمرافق دون إشراف فعال، ما يعرض الأطفال للخطر.
ولفتت إلى أن بعض المدارس الخاصة يُركز فقط على الجانب المالى والاستثمارى، متغاضيًا عن الجوانب التربوية والنفسية، وبعض العاملين يفتقرون إلى المؤهلات اللازمة، ويظهرون سلوكيات غير مناسبة تستدعى تأهيلًا نفسيًا.
وشددت على ضرورة وجود آليات إشراف صارمة، وكاميرات مراقبة تغطى جميع الممرات والفصول، والأماكن المنعزلة داخل المدرسة، إضافة إلى ضرورة وجود برامج تدريبية مستمرة للمعلمين والإخصائيين على حماية الأطفال والتعامل معهم وفق معايير قانونية ونفسية محددة.
وأكدت أن حماية الأطفال مسئولية مشتركة بين المدارس والأهالى والجهات الرقابية، مشيرة إلى أهمية أن يكون لدى الأطفال مساحات آمنة للتعبير عن مشاعرهم ومشاركة أى مضايقات يتعرضون لها، دون خوف من التمييز أو الوصم الاجتماعى.
المتهمون فى واقعة «مدرسة العبور»
مساعد وزير الداخلية السابق: الشرطة لا تتدخل إلا باستدعاء أو وقوع طارئ
قال اللواء أحمد فاروق، مساعد وزير الداخلية لمنطقة شرق الدلتا سابقًا، إن مسئولية تأمين المدارس تُعد فى الأساس شأنًا داخليًا تتولاه إدارات المدارس وفقًا لسياساتها وإمكاناتها، مشددًا على أن «وزارة الداخلية ليس من شأنها أن تفرض أى التزامات أمنية على المدارس، أو اتخاذ إجراءات محددة فى هذا الصدد، مثل تركيب كاميرات مراقبة أو اتباع نمط معيّن من أنظمة التأمين».
وأوضح: «العديد من المدارس الخاصة والدولية يعتمد على منظومات مراقبة وكاميرات حديثة، مع وجود قنوات للتواصل والتنسيق مع الجهات المعنية بالوزارة عند الحاجة، بما يضمن رفع كفاءة إجراءات الحماية داخل الحرم المدرسى»، مؤكدًا أن ما يجرى هو تعاون طوعى يعتمد على وعى كل مدرسة ورغبتها فى تعزيز إجراءات الأمان، بما يتوافق مع طبيعة بيئتها التعليمية وقدراتها.
وذكر أن القوات الأمنية لا تدخل المدارس إلا فى حال وقوع واقعة تستدعى حضورها، سواء كانت حادثة تستلزم التحقيق أو موقفًا طارئًا يتطلب تدخلًا مباشرًا، أما فى الظروف الطبيعية، فتبقى إدارة المدرسة هى المسئول الأول عن متابعة النظام الداخلى وضبط أى سلوكيات خاطئة.
ولفت إلى أن تحقيق بيئة تعليمية آمنة هو هدف مشترك، يتحقق من خلال تحمل المدارس مسئولياتها الداخلية، مع استمرار الوزارة فى دورها الداعم، عبر تقديم المشورة والتدخل عند الضرورة؛ للحفاظ على أمن الطلاب وسلامتهم.
إخصائية إرشاد نفسى: على الأسر الانتباه للتغيرات الحادة فى السلوك الاجتماعى
كشفت الدكتورة سلمى محمد، إخصائية الإرشاد النفسى، عن أن الطفل الذى يمرّ بصدمة جنسية يُظهر سلسلة من المؤشرات التى لا يجب تجاهلها، بعضها يبدو مباشرًا وسريع الظهور، بينما يتطور البعض الآخر بصورة تدريجية مع مرور الوقت.
وأوضحت أن أولى تلك الإشارات تتمثل فى التغيرات الحادة فى السلوك الاجتماعى، إذ يتحول الطفل فجأة إلى الانسحاب من أصدقائه وتجنّب اللعب أو الأنشطة المعتادة، وهو ما يدل على فقدانه للشعور بالأمان، كما يلاحظ فى أحيان أخرى أن الطفل يصبح شديد التعلّق بالأم أو أحد البالغين، وكأنه يبحث عن مصدر طمأنينة مفقود.
وأضافت أن ظهور مخاوف غير مبررة، مثل الخوف من الظلام أو من الذهاب للمدرسة أو من أشخاص معيّنين، قد يكون انعكاسًا مباشرًا للتجربة التى تعرض لها الطفل، مؤكدة أن الاستماع لهذه المخاوف وتدوين أسبابها خطوة ضرورية لفهم ما يدور داخله، ومن العلامات المهمة أيضًا تراجع التركيز الدائم وتشتت الانتباه، إذ كثيرًا ما تتدهور قدرته الدراسية فجأة بسبب الصدمة النفسية، ما يستلزم تواصل الأسرة مع المدرسة لمتابعة ما يحدث.
وتابعت أن اضطرابات النوم والأكل قد تكون من أكثر المؤشرات شيوعًا؛ فالطفل قد يعانى من كوابيس متكررة أو أرق أو فقدان شهية، أو على العكس يلجأ إلى تناول الطعام بشكل مفرط، وفى بعض الحالات يعود الطفل لسلوكيات طفولية متراجعة مثل التبول اللا إرادى، وهو أمر يجب التعامل معه بحساسية لأنه ليس سوء سلوك بل تعبير عن صدمة عميقة، وقد تُفاجأ الأسرة بإظهار الطفل معرفة جنسية لا تتناسب مع عمره أو استخدامه كلمات وتصرفات غير مألوفة داخل بيئته الطبيعية، وهى علامة تحذيرية خطيرة يجب التوقف عندها فورًا.
وأكدت الدكتورة سلمى أن الأطفال غالبًا ما يعبّرون عن تعرضهم للاعتداء من خلال اللعب أو القصص الخيالية، لذلك فإن مراقبة محتوى اللعب جزء مهم من عملية الاكتشاف. كما أن السلوك العدوانى المفاجئ، أو على النقيض، الرغبة فى الهروب من المدرسة، قد يكشف عن خوف الطفل من مواجهة المعتدى، وتضاف إلى ذلك مشاعر الاكتئاب، والحزن المستمر، أو فقدان الشغف بالأنشطة التى كانت تسعده، وفى الحالات الأكثر خطورة قد يظهر على الطفل سلوك إيذاء النفس، وهو مؤشر يستوجب تدخلًا نفسيًا عاجلًا ودون تأخير. وشددت على ضرورة التعامل مع أى تغيير نفسى أو سلوكى بجدية كاملة، فالاكتشاف المبكر قد ينقذ الطفل من آثار ممتدة قد تظل معه لسنوات.













0 تعليق