في وقتٍ تتصاعد فيه الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتقادًا مباشرًا إلى كييف، قائلًا إنها "لم تظهر أي امتنان" للمساعي الأميركية لوقف النزاع. تزامن ذلك مع اجتماع مفاوضين أميركيين وأوكرانيين ودوليين في سويسرا لبحث خطة سلام تتضمن تنازلات كبيرة من أوكرانيا لصالح موسكو.
خطة بملامح روسية.. وتساؤلات أوروبية
الرئيس البولندي دونالد توسك تساءل علنًا عن مصدر الخطة، بعد اعتراف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأن موسكو هي التي صاغت النص الأصلي. وفي منشور على منصة X، قال توسك إن الدول الأوروبية، إلى جانب كندا واليابان، مستعدة لمناقشة مقترح من 28 نقطة، لكنه يتضمن بنودًا شديدة الحساسية:
التخلي عن أراضٍ أوكرانية لروسيا، تقليص حجم الجيش الأوكراني، والابتعاد عن عضوية الناتو.
وأضاف توسك أن ثمة "تحفظات جوهرية" قبل النظر رسميًا في الخطة، مشددًا على ضرورة معرفة "من كتب الوثيقة وأين صيغت".
وثيقة صاغها مبعوث بوتين وممثل ترامب
الوثيقة أُعدت بمعرفة كيريل دميترييف، مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبالتعاون مع ستيف ويتكوف، الممثل الخاص لترامب. وتشير تقديرات إلى أن النص ربما كُتب أصلًا بالروسية قبل ترجمته.
ووفق مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، أبلغهم روبيو بأن الوثيقة ليست أميركية، بل نص روسي سربته موسكو، ثم نقلته واشنطن إلى كييف. لكنه عاد وأكد لاحقًا أن الخطة "أميركية الصياغة" مع "مدخلات" من روسيا وأوكرانيا، مما زاد من حالة الارتباك.
ضغوط داخلية على ترامب وتراجع عن المهلة
وبينما يتعرض ترامب لضغط من بعض الجمهوريين، تراجع عن الموعد النهائي الذي حدده سابقًا لزيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتوقيع على الاتفاق.
وقال في تصريحات بواشنطن إن المقترح "ليس العرض النهائي"، وفتح الباب أمام تعديلات واسعة.
وفي منشور على "تروث سوشيال"، حمل ترامب سلفه جو بايدن مسؤولية الحرب، معتبرًا أن إدارته قدمت "كل شيء لكييف دون مقابل"، قبل أن يضيف: "لم تُبدِ القيادة الأوكرانية أي امتنان، فيما تواصل أوروبا شراء النفط من روسيا".
رفض أوروبي واسع: حدود أوكرانيا “ليست محل تفاوض”
القادة الأوروبيون أبدوا اعتراضًا واضحًا على المطالب الروسية المدعومة من ترامب، واعتبروها "غير مقبولة". فقد أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أنّ حدود أوكرانيا لا يمكن تغييرها بالقوة، وأن أي قيود على الجيش الأوكراني ستجعل البلاد "عرضة لهجمات مستقبلية".
المستشار الألماني فريدريش ميرز أبدى شكوكه في إمكانية التوصل لاتفاق هذا الأسبوع، في ظل الهوة الواسعة بين المواقف. وقال دبلوماسي غربي إن الأوروبيين سيشيدون بدور ترامب "علنًا"، بينما يعملون "سرًا على إعادة صياغة الخطة وجعلها منطقية".
لقاءات مكثفة في جنيف
ووصل روبيو وويتكوف إلى جنيف برفقة وزير الجيش الأميركي دان دريسكول، الذي زار كييف الأسبوع الماضي.
وعقد الوفد الأميركي لقاءات مع وفد أوكراني برئاسة أندريه يرماك، رئيس مكتب زيلينسكي.
كما أجرى فريق كييف محادثات سابقة مع مسؤولين من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، من بينهم مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، جوناثان باول.
انتقادات أوروبية: “الخطة تقيد سيادة أوكرانيا”
وفي رد منسق، قال مسؤولون أوروبيون إن المقترح الحالي يحدّ من سيادة أوكرانيا، إذ يمنعها من الانضمام للناتو ويضع شروطًا على عضويتها في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى استبعاد أي قوة حفظ سلام غربية وتقييد مواقع تمركز طائرات الناتو، بحسب الجارديان.
وقال أحدهم إن بوتين يسعى إلى إعادة ترتيب الأمن الأوروبي ثلاثين عامًا إلى الوراء، وفق مطالب مشابهة لتلك التي سبقت غزو أوكرانيا في 2022، ومنها دعوة الناتو للعودة إلى حدود 1997.
زيلينسكي بين “خيارين مستحيلين”
الرئيس الأوكراني أعلن أن بلاده تواجه خيارًا صعبًا بين "التخلي عن مصالحها الوطنية" أو "خسارة أحد أهم حلفائها". ورغم ذلك يؤكد استعداده للعمل بمرونة مع البيت الأبيض.
وكتب: "يجب وقف إراقة الدماء، ويجب ضمان عدم اشتعال الحرب مجددًا". بينما قال مسؤول أميركي إن واشنطن تأمل في "تسوية التفاصيل النهائية" على نحو يحفظ مصالح أوكرانيا، مؤكدًا أن "شيئًا لن يُعتمد قبل اجتماع الرئيسين ترامب وزيلينسكي".
















0 تعليق