واشنطن والاضطهاد الديني في نيجيريا: أداة ضغط أم حرب خفية؟

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في خضم تصاعد الخطاب الأمريكي حول ما يسمى بـ"اضطهاد المسيحيين" في نيجيريا، يكشف تحليل استراتيجي حديث أن هذا الطرح لا يستند إلى حقائق ميدانية أو بيانات موضوعية، بل يُستخدم كأداة نفوذ سياسي وجيوبوليتيكي تسعى عبره واشنطن، وتحديداً دوائر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى إعادة ضبط موقع نيجيريا داخل خريطة النفوذ العالمي، ومنعها من الانزلاق نحو الشراكة الاقتصادية العميقة مع الصين، وهي خطوة تراها الولايات المتحدة تهديداً مباشراً لمصالحها في القارة الإفريقية.

خطاب مضلل يتجاهل الواقع النيجيري

 

يركز التحليل على أن السردية الأمريكية حول "الاضطهاد المسيحي" تتناقض بوضوح مع المشهد الاجتماعي المعقد في نيجيريا، حيث يمتد التعايش الديني داخل العائلة الواحدة في الجنوب، بينما تشارك شخصيات مسيحية بفاعلية في هرم السلطة، بما في ذلك موقع السيدة الأولى، وهو ما ينفي مزاعم الإقصاء الديني.

كما تكشف قواعد بيانات الصراع أن العنف المتكرر في الشمال النيجيري يستهدف المسلمين بنسبة أكبر، وأن جذوره تتمثل في اقتصاد الجريمة واللصوصية وتمدد الإرهاب العابر للحدود، وليس في حرب دينية منظمة تستهدف المسيحيين حصراً.

 

لماذا تضغط واشنطن؟ دوافع انتخابية وجيوبوليتيكية

 

يُظهر التحليل أن الخطاب الديني الأمريكي يخدم بالأساس أهدافاً انتخابية، إذ يستخدمه ترامب كرسالة موجهة للناخب الإنجيلي المحافظ، مقدماً نفسه في صورة "المدافع عن المسيحية" في الخارج. 

ويتقاطع هذا التوجه مع مصالح لوبيات داعمة لإسرائيل تعمل على تضخيم أسطورة "الصراع الإسلامي المسيحي" في إفريقيا لتحويل الأنظار عن ملفات شرق أوسطية أكثر حساسية.

لكن الدافع الأكبر يبقى جيوبوليتيكياً؛ فنيجيريا، بصفتها أكبر اقتصاد في إفريقيا جنوب الصحراء، عقدت شراكات متقدمة مع الصين شملت مبادلات بالعملات المحلية وتمويل مشاريع ضخمة للبنية التحتية وانضمامها كشريك إلى "البريكس بلاس". 

هذا التحول يُعد في نظر واشنطن تهديداً لهيمنة الدولار ولسيطرتها على خطوط التجارة الإفريقية.

انعكاسات خطيرة على الداخل النيجيري

 

يحذر التحليل من أن الضغط الأمريكي يخلق توترات داخلية متفاقمة، حيث يسهم في إحياء شعور المظلومية لدى بعض الإثنيات مثل الإيغبو، ويمنح خطاباً شرعياً للحركات الانفصالية وعلى رأسها "بيافرا"، التي تجد فرصة لتقديم مطالبها في إطار "اضطهاد ديني" بدلاً من نزعة انفصالية سياسية. كما قد يؤدي التضييق الاقتصادي الغربي إلى دفع نيجيريا نحو مزيد من الارتماء في الحضن الصيني، بما يعمق الانقسام الدولي حول واحدة من أهم الدول الإفريقية.

يكشف التحليل أن ورقة "الاضطهاد الديني" لا تتجاوز كونها أداة سياسية أمريكية لإعادة رسم موازين النفوذ في إفريقيا، لكنها في المقابل تهدد استقرار نيجيريا الداخلي وتدفعها لتقوية شراكتها مع الصين، ما قد يفتح الباب أمام معادلات جديدة في المشهد الجيوسياسي للقارة السوداء.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق