شهدت المسيرة الفنية للمخرج الكبير فطين عبد الوهاب والذى تحل ذكرى ميلاده اليوم (22 نوفمبر 1913 - 12 مايو 1972) واحدة من أكثر التجارب تطورًا في تاريخ السينما المصرية، إذ لم يكن مجرد صانع للضحك، بل مهندسًا بصريًا استطاع أن يحوّل الكوميديا إلى لغة إنسانية واسعة، قبل أن ينتقل تدريجيًا إلى معالجة قضايا اجتماعية بصياغات درامية رصينة.
ورغم شهرته كلقب «مهندس الكوميديا»، فإن رحلته تكشف قدرة نادرة على التجديد والتجريب، وعلى قراءة المجتمع المصري بعمق من خلف الكاميرا.
في بداياته، انشغل فطين عبد الوهاب بتأسيس مدرسة خاصة في الكوميديا السينمائية، قائمة على الإيقاع السريع والمفارقات الذكية واستثمار قدرات الممثلين إلى أقصى مدى.
أعماله مع إسماعيل ياسين، مثل «إسماعيل يس في الأسطول» و«إسماعيل يس في البوليس»، رسَّخت اسمه كأحد أكثر المخرجين براعة في تقديم الضحك النظيف الذي يعكس نبض الشارع وروحه.
كان فطين عبد الوهاب يلتقط التفاصيل اليومية ويعيد صياغتها في مشاهد خفيفة وحيوية، ما جعل أفلامه جزءًا من الذاكرة الشعبية.
لكن أهمية فطين عبد الوهاب لم تتوقف عند الكوميديا؛ فمع منتصف الستينيات، بدأ يتحول تدريجيًا إلى الدراما الاجتماعية، مستثمرًا حساسيته الإخراجية في قراءة التحولات الكبرى في المجتمع المصري.
فيلم «الحرام» (1965)، رغم أنه ليس إخراجه، كان نقطة انعطاف في اختيار الموضوعات التي يميل إليها في تلك المرحلة، قبل أن يقدّم أعمالًا تمزج بين الطابع الخفيف والعمق الإنساني مثل «أرض النفاق» و«أم العروسة»، حيث ظهر اهتمامه الواضح بالبنية الاجتماعية والأسرة والتغيرات الاقتصادية.
هذا التحول لم يكن قطيعة مع تاريخه الكوميدي بقدر ما كان امتدادًا طبيعيًا لمخرج قرأ الواقع بوعي، وأدرك أن الضحك وحده لا يكفي لتقديم صورة كاملة عن المجتمع.
وهكذا أصبحت أفلامه مرآة تعكس صراعات الطبقة المتوسطة وصعود قيم جديدة، دون التفريط في بصمته الإخراجية التي تمزج الخفة بالرصانة.
ورغم رحيله المبكر، بقي فطين عبد الوهاب نموذجًا للمخرج القادر على التحول دون أن يفقد هويته، وعلى التنقل بين الكوميديا والدراما بسلاسة تجعل أعماله جزءًا أصيلًا من ذاكرة السينما المصرية.















0 تعليق