جرس إنذار في سماء بيروت.. هل يتحرك المعنيون؟

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في مشهد يعكس عمق الانهيار البيئي الذي تُواجهه المنطقة، اعتلت بيروت صدارة المدن العربية الأكثر تلوثاً لعام 2025، بحسب مؤشر التلوث العالمي Numbeo. هذا التصنيف، الذي وضع العاصمة اللبنانية قبل مدن عربية كبرى، لم يكن مجرد نتيجة رقمية عابرة، بل جرس إنذار مدوٍّ يفضح واقعاً بيئياً وصحياً خطيراً بات يهدد حياة سكان المدينة في كل لحظة.

Advertisement


فبيروت، التي لطالما كانت عنواناً للحياة والانفتاح والحيوية، أصبحت اليوم نموذجاً صارخاً لمدينة خانقة، تعاني من التلوّث في هوائها وشوارعها وبحرها، وسط غياب سياسات بيئية فاعلة وتراكم أزمات البنية التحتية.

بحسب بيانات مؤشر Numbeo لعام 2025، سجّلت بيروت أعلى معدل تلوث بين المدن العربية، متفوقة على القاهرة التي حلّت في المرتبة الثانية، تليها مراكش والدار البيضاء وتونس. ويشمل المؤشر مستويات تلوث الهواء، ونوعية المياه، ونسبة النفايات في الشوارع، ومدى رضا السكان عن نظافة المدينة.

التقارير المحلية تشير إلى أنّ "جودة الهواء في بيروت تراجعت بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة. وقد ساهمت الأزمة الاقتصادية وانهيار مؤسسات الدولة في غياب الرقابة البيئية، ما جعل مصادر التلوث تعمل بلا ضوابط تقريباً".

تتعدد الأسباب التي دفعت بيروت إلى هذا الموقع المتقدم في التلوث، ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:

. الازدحام المروري الحاد: ضعف النقل العام وغياب أنظمة بديلة دفعا السكان إلى الاعتماد شبه الكامل على السيارات الخاصة.

. مولدات الكهرباء: في ظل انقطاع الكهرباء المزمن، أصبحت مولدات الديزل جزءاً من حياة اللبنانيين اليومية. إلا أنّ هذه المولدات تُعد من أخطر مصادر التلوث، إذ تبثّ كميات هائلة من الانبعاثات السامة.

. أزمة النفايات: مشهد النفايات المتراكمة في الشوارع والمكبات العشوائية لم يختفِ منذ سنوات. الرائحة، احتراق النفايات… كلها عوامل تزيد مستويات التلوث وتؤثر على الهواء والمياه الجوفية.

. التوسع العمراني غير المنظّم: البناء العشوائي على حساب المساحات الخضراء ساهم في ارتفاع درجات الحرارة وتراجع جودة الهواء، في ظل غياب تخطيط حضري مستدام.

. التلوث البحري: الساحل الذي كان متنفساً للمدينة بات مثقلاً بالمجارير والصرف الصحي، ما ينعكس سلباً على الصحة العامة وعلى صورة المدينة السياحية.

ارتفاع نسب التلوث في بيروت ليست مشكلة تقنية أو إدارية فحسب، بل أزمة صحية متفاقمة. تشير دراسات طبية عالمية إلى "أنّ التعرض المستمر لجسيمات الهواء الضارة يؤدي إلى:

.زيادة في أمراض الجهاز التنفسي كالربو والتهاب القصبات.

.ارتفاع حالات السرطان، خصوصاً سرطان الرئة.

.أمراض القلب والأوعية الدموية.

تأثيرات خطيرة على الأطفال، قد تصل إلى ضعف في النمو وتراجع القدرات الإدراكية.

أما بيئياً، فإن استمرار التلوث بهذا الشكل يؤدي إلى تدهور التنوع البيولوجي، واستنزاف الموارد الطبيعية، وانتشار الروائح والآفات، وتراجع جودة الحياة بشكل عام".

رغم حجم الأزمة، ما زال بالإمكان اتخاذ خطوات عملية تخفف من الواقع القاتم، أبرزها:

. إطلاق خطة وطنية واضحة للحد من التلوث تعتمد على معايير مراقبة صارمة.

. تنظيم قطاع مولدات الكهرباء عبر فرض فلاتر إلزامية للحد من الانبعاثات.

. إدارة مستدامة للنفايات تشمل الفرز من المصدر، والتدوير، وإقفال المكبات العشوائية.

. زيادة المساحات الخضراء عبر إعادة تأهيل الحدائق وإنشاء حزام أخضر يخفف حرارة المدينة.

. تعزيز الوعي البيئي في المدارس والجامعات والمجتمع المدني.

بيروت اليوم أمام مفترق طرق حقيقي. فالتصنيف الذي وضعها في المرتبة الأولى عربياً في التلوث ليس حكماً نهائياً، بل جرس إنذار يدعو للتحرك قبل أن تصبح الأزمة خارج السيطرة بشكل تام. المدينة التي واجهت الحروب والانفجارات والانهيارات قادرة على النهوض مجدداً، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية واضحة، وحلولاً علمية، وتعاوناً بين الدولة والمجتمع.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق