"لا شىء يعلو على الكتب".. كيف كان نظام التعليم فى مصر القديمة؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع انطلاق العام الدراسي، يكشف الدكتور عبدالرحيم ريحان، خبير الآثار وعضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، عن اهتمام المصريين القدماء بالعلم والتعليم كمفتاح لبناء الحضارة المصرية القديمة. يقول "ريحان" إن المصريين القدماء كانوا روادًا في إنشاء المدارس ونشر التعليم، وهو ما يظهر في تعليمات خيتى دواوف لابنه بيبي سنة 1300 ق.م "لا شيء يعلو على الكتب"، ما يعكس مدى التقدير الكبير للعلم والمعرفة.

ويضيف "ريحان": المصريين القدماء أول من أقاموا المدارس وعملوا على محو أميتهم، وعرفوا أيضا فكرة التعليم المنزلى، وكان سن التحاق الطفل بالمدارس هى سن العاشرة من عمره، واقتصر التعليم فى البداية على تعليم الصغار فى القصور الملكية وفى بيوت النبلاء، ثم توسع المصرى القديم فى إنشاء المدارس ثم الإدارات التعليمية المختصة بتعليم التجارة والإدارة، والتى كان يطلق عليها "مهنية"، إضافة إلى مدارس ملحقة بالجيش لتعليم العلوم العسكرية وفنون القتال، ومدارس تابعة للمعابد لتعليم العلوم الدينية، وجاء ذلك فى دراسة أثرية للباحثة نجاة عصام، المتخصصة فى تاريخ مصر القديمة.

ويوضح الدكتور ريحان أن قدماء المصريين عرفوا المدارس النظامية منذ عصر الدولة الوسطى، وشهدت تلك المدارس أول ظهور للكتاب المدرسى، وكان أول ظهور للمدارس النظامية فى القصر الملكى، وأثبتت الاكتشافات الأثرية وجود المدارس فى مناطق مختلفة فى أنحاء مصر القديمة، فقد كانت هناك مدرسة حول معبد الرمسيوم، وأخرى بدير المدينة بطيبة (الأقصر)، وكذلك فى المدينة التى أنشأها إخناتون بتل العمارنة، كما اكتشفت مدرسة فى أبيدوس بسوهاج، ومدينة أون (عين شمس)، ومدرسة فى تل بسطا وغيرها.

وأطلق قدماء المصريين على المدرسة بالهيروغليفية لفظ "بر- عنخ"، وتعنى "بيت الحياة"، وأحيانًا يطلق عليها لفظ "عت- سبا" وتعنى "مكان العلم"، كما أطلقوا على المدرس لفظ "سباو" وتعنى "النجم أو المرشد أو الهادى"، وفى كل من هذه المدارس يوجد مكتبات يطلق عليها "برت سشو" وتعنى "بيت المخطوطات"، وكانت تحتوى على برديات فى كل فروع المعرفة لتكون كتبًا ومراجع للدارسين، وكانت الربة الحامية لهذه المكتبات الإلهة "سشات"، وكان معظم التعليم فى الهواء المطلق وفى ساحات مفتوحة وليس داخل فصول مغلقة، وهو نظام تسعى بعض الدول المتقدمة إلى تطبيقه اليوم، وكان التلاميذ يجلسون القرفصاء حول معلمهم.

وينوه الدكتور ريحان، من خلال الدراسة، إلى أن التعليم فى مصر القديمة انقسم إلى مرحلتين، الأولى وهى المدرسة، وفيها كان التلاميذ يتعلمون مبادئ الدين وحروف الهجاء وقواعد الحساب، وفى تلك المرحلة كانت طرق التدريس تقوم على الترغيب فى التعليم والإقناع بالشروح المبسطة وأحيانًا العقاب، وأن طلاب تلك المرحلة لم يسمح لهم باستخدام أوراق البردى فى الكتابة، بل كانوا يستخدمون الفخار والحجر الجيرى للكتابة، وعندما يجتاز الطالب المرحلة كان يلحق كاتبًا فى أحد الدواوين الحكومية ليرتقى إلى المرحلة الثانية من التعليم.

وفى المرحلة الثانية كان الكاتب يستمر فى تلقى العلم على أيدى كبار الكتاب، واستمرت تلك المرحلة بالتعقيد من حيث الصيغ الإملائية والعمليات الحسابية، ويمكن اعتبارها مرحلة متخصصة من التعليم، تقوم على التدريب المهنى الذى يسمح للكاتب فى فهم قواعد وطرق العمل فى الدواوين الحكومية.

أمّا المرحلة الثالثة فقد اعتبرها الدكتور سعيد إسماعيل، فى كتابه "الحضارة المصرية القديمة"، مرحلة تقابل مرحلة الدراسات العليا فى أيامنا، والتى كان يتلقى فيها الطلاب علومًا أكثر تخصصًا فى الطب والرياضيات والفلك والفنون، وكانت مدارسها تلحق بالقصور والمعابد، ويجتمع فيها كبار الكتاب وأكثرهم ثقافة، وكانت تؤلف فيها الكتب فى أفرع العلم المختلفة، مثل اللاهوت والطب والهندسة وغيرها.

وقد حدد الدكتور سعيد إسماعيل فى كتابه المناهج التعليمية المكونة من 6 مواد دراسية ركز عليها التعليم فى مصر القديمة، وتشمل: اللغة التى تمثلت فى تعليم الكتابة والقراءة، وتعامل معها المصريون بشكل من التقديس لاعتقادهم بأنها من أسرار الإله، وقد تطورت الكتابة المصرية القديمة ثم تحولت إلى لغة صوتية تقوم على تراكيب متعددة توضع فى نسق معين لتوضح معانى الكلمات.

والأدب الذى ارتبط أيضا بالكتابة من حيث الصياغة اللغوية السليمة والتعبيرات البلاغية، وطبقًا لكتاب الدكتور سليم حسن "الأدب المصرى القديم" فإن الأدب المصرى القديم تنوع ما بين رسائل نثرية وأشعار معظمها ركزت على الجانب الدينى والأخلاقى، مثل بردية آنى ورحلته إلى العالم الآخر، وبعضها أشار إلى معاناة المصرى مثل شكاوى الفلاح الفصيح.

ويؤكد الدكتور ريحان أن المناهج فى مصر القديمة شملت الطب، واستندت قواعد علم التشريح على إتقان المصريين التحنيط الذى أدى إلى براعة المصريين بعد ذلك فى تشخيص الأمراض ومعالجتها، إمّا بالطرق الدوائية أو بالجراحة، كما هو مدون فى بعض البرديات الطبية وفى بعض المناظر على جدران المعابد التى تؤكد تفوقهم فى علوم الطب والصيدلة

وهناك مادة الفلك والتقويم، فهم أول من وضعوا تقويما فى التاريخ، ومن خلاله استطاعوا أن يحددوا الدورة الزراعية. وكذلك مادة الفنون، وقد برع المصريون فى فنون الرسم والتصوير والنقش والعمارة، بالإضافة إلى فنون الموسيقى والغناء، كما أن فنون الرسم والنقش ركزت فى معظمها على الجانب الدينى ممثلًا فى تصوير العلاقة مع الآلهة ورحلة المتوفى إلى العالم الآخر، وقد ظهرت بعض النقوش لتصوير الحياة اليومية للمصريين القدماء، والرياضيات حيث عرف المصريون الأرقام منذ العصور التاريخية الأولى، وازدهر علم الرياضيات مع عصر الأسرة الثانية عشرة، والتى خلّفت برديات فى علوم الرياضيات احتوت على شروح حسابية لمقاييس الأرض وعمليات معقدة من القسمة والضرب والجذور الرياضية، والتى كان لها الفضل فى قدرة المصريين على تقدير مساحات الأراضى وفرض الضرائب المناسبة. ويعتبر الدكتور إسماعيل أن براعة المصريين فى تشييد الأهرامات تبرهن على تفوقهم فى مجال الرياضيات وعلوم الهندسة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق