انتهينا فى المقال السابق عند الجزء الخاص بالتطور التاريخى للخلافة الإسلامية، وذكرنا أن السنهورى يبدو عقلانى النظرة والتناول إلى حد كبير، ربما أكثر من بعض كُتابنا الآن؛ إذ يعتمد السنهورى المنهج التاريخى فى الدراسة، وبالتالى إلى تغير أشكال الخلافة عبر العصور، وليس النظرة السلفية للتاريخ، وتثبيت الصورة عند الخلافة الراشدة، أو حتى نظرية التاريخ المقدس، حيث ينظر البعض بقداسة لتاريخ الخلافة منذ نشأتها حتى إلغائها فى عام ١٩٢٤، أو حتى النظرة الأحادية السوداوية لتاريخ الخلافة، منذ عصر الراشدين حتى عام ١٩٢٤.
وبطبيعة الحال لا يندرج السنهورى ضمن طائفة المؤرخين، لكنه بحس نقدى يشير إلى فترات فقدت فيها الخلافة سلطانها، وأصبحت أقرب ما تكون إلى الرمز، مثل فترة انتقال الخلافة العباسية إلى القاهرة على أيدى المماليك، بعد سقوط بغداد على أيدى التتار، يقول السنهورى عن ذلك: «يصعب القول إن الخلفاء العباسيين فى هذه المرحلة كانت لهم سلطة سياسية، وكل ما كان لهم هو قدر محدود من الصفة الدينية يستغلها السلاطين المماليك لإعطاء حكومتهم شيئًا من الشرعية.
ونظرًا لأن المبدأ الإسلامى المستقر هو أن الخليفة ليست له سلطة دينية مطلقًا، وإنما بعض الاختصاصات التنفيذية الثانوية التى لها علاقة بالعبادات، فإنه يجب القول إن هؤلاء الخلفاء لم يكن لهم أى سلطة على الإطلاق، مدنية ولا دينية، وكان وجودهم رمزيًا وشكليًا فقط».
هكذا يكون السنهورى أقرب ما يكون إلى المنهج التاريخى، والنظرة العقلانية فى تناول التطور التاريخى للخلافة، ما سيساعده فى الانتقال إلى المنهج التوفيقى عند الحديث عن مستقبل الخلافة.
ويرفض السنهورى، أيضًا، ما أطلق عليه الجماعات التقليدية والمحافظة ونظرتها إلى الخلافة، تاريخًا ومستقبلًا. ويتركز نقد السنهورى لهؤلاء على نظرتهم الماضوية للتاريخ، فضلًا عن محاولتهم استدعاء التاريخ:
«فى الواقع ليس هناك خط واضح يفصل بين المحافظين والرجعيين، فهم متداخلون ومتكاملون. يؤخذ عليهم أنهم جميعًا لا يتخلون عن الماضى، وقد يرفضون التطور مع الزمن، فالمحافظون مثلًا لا يسألون أنفسهم عما إذا كان من الممكن إعادة بناء الدولة الإسلامية كما كانت فى عهد الخلفاء الراشدين الأوائل فى العصر الحاضر، فى الوقت الذى تكتسب فيه الحركات القومية كل يوم نفوذًا أكبر، وما زالت السيطرة الأجنبية متحكمة فى أكبر جزء من العالم الإسلامى. أما الرجعيون- وهم لحسن الحظ أقلية- فهم يرفضون الإصغاء إلى ما يسمى اليوم بالحريات السياسية للشعوب والحقوق العامة للأفراد أو الحكم الدستورى».
وفى الوقت نفسه يوجّه السنهورى نقدًا حادًا إلى كتاب الشيخ على عبدالرازق «الإسلام وأصول الحكم» الصادر فى عام ١٩٢٥، هذا الكتاب الذى يرى السنهورى أنه صدر تأييدًا لخطوة كمال أتاتورك فى إلغاء الخلافة.
ويأخذ السنهورى على الشيخ على عبدالرازق أنه وقع فريسة «المعنى الأوروبى المعاصر» لعلاقة الدين والدولة، وبالتالى يرفض السنهورى ما وصل إليه على عبدالرازق من أن النبى لم يُنشئ دولة بالمعنى المعروف فى العصر الحاضر؛ إذ يرى السنهورى: «أن فكرتَى الدين والدولة لم يكن التمييز بينهما بهذا الوضوح فى عهد الرسول وما قبله، لأن النظم السياسية كانت تقوم غالبًا على اعتبارات دينية دون أن يغير ذلك من طبيعتها المدنية، وهذا هو الذى يفسر لنا الطابع الدينى الذى اصطبغت به النظم السياسية فى الإسلام».
كما يأخذ السنهورى على الشيخ على عبدالرازق منهجه التاريخى فى تفسير الأحداث: «حاول أن يفسر الحوادث على ضوء ادعاءاته تفسيرًا فيه كثير من المهارة، ولكنه تفسير فيه كثير من المهارة، ولكنه تفسير خاطئ مغرض، وكان من الأولى به أن يصحح نظريته على ضوء الوقائع التاريخية الثابتة».
وفى المقال المقبل نتناول الاجتهاد المعاصر للخلافة من وجهة نظر السنهورى.














0 تعليق