عبدالرزاق السنهورى من أشهر رجال القانون والقضاء، ليس فقط فى مصر وإنما فى العالم العربى. ارتبط اسمه بالكثير من المؤلفات القانونية المهمة، فضلًا عن إشرافه على وضع الدساتير، سواء فى مصر أو فى بعض الدول العربية. لكن الأكثر شهرة مواقفه السياسية خاصةً بعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢، ومشاركته فى التغير السياسى والقانونى حتى عام ١٩٥٤، حيث الصدام الشهير مع عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة، وانتهاء دوره السياسى، مع استمرار دوره القانونى، لا سيما محاولته القانونية فى التوفيق بين الشريعة والقانون.
على أى حال ما يهمنا هنا هو مسألة موقف السنهورى من الخلافة، لا سيما مع إلغائها فى عام ١٩٢٤، ورسالة الدكتوراه التى أعدها فى فرنسا حول الخلافة وتطورها، هذه الرسالة التى فتحت بابًا مهمًا فى مسألة الاجتهاد بشأن الشكل الحديث للخلافة الإسلامية.
ولد السنهورى فى الإسكندرية عام ١٨٩٥، ودخل مدرسة الحقوق، وتخرج فيها فى عام ١٩١٧. ومثله مثل بقية أبناء جيله تأثر السنهورى بأفكار الحزب الوطنى «القديم»، لا سيما أفكار محمد فريد وعبدالعزيز جاويش ومحمد فريد وجدى؛ حيث مال آنذاك إلى تبعية مصر للدولة العثمانية، دولة الخلافة. وظهر ذلك جليًا فى إيمانه فى مطلع شبابه بنظرية المؤامرة الأوروبية على الدولة العثمانية «رجل أوروبا المريض»، ورغبة أوروبا فى اجتياح العالم الإسلامى. وأنه لا أمل فى مواجهة ذلك إلا بالوقوف وراء الدولة العثمانية. وعلى ذلك يكتب السنهورى فى عام ١٩١٨، هذا العام الذى شهد نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية، واجتياح قوى الحلفاء لأراضيها قائلًا:
«أقرأ الآن تاريخ أوروبا فى القرن التاسع عشر ومقاومة الدول الأوروبية لتركيا واقتناصها ممتلكاتها واحدة بعد أخرى، وفرضها عليها شروط الغالب سواء كانت غالبة أو مغلوبة، وما أظهرته أوروبا من التعصب والجور، وما استحلته من ضروب الخيانة والغدر».
ولا يختلف السنهورى هنا عما كتبه أبناء جيله آنذاك، إن موقف السنهورى هنا يذكرنا بما كتبه حسن البنا ومحمد عبدالله عنان، أو حتى نجيب محفوظ فى «بين القصرين». هذا الموقف الذى ينبع من الإيمان بمبادئ محمد فريد والحزب الوطنى، فضلًا عن وقوع مصر فريسة للاحتلال البريطانى منذ عام ١٨٨٢، ولا ننكر أيضًا الشعور الإسلامى الطاغى آنذاك، وعدم تبلور القومية المصرية بعد، وهو ما سنلاحظه بعد ثورة ١٩١٩، وبعد سقوط الدولة العثمانية أيضًا.
ويسافر السنهورى إلى فرنسا للدراسة والحصول على الدكتوراه، فى خضم هذه الأجواء السياسية والفكرية المضطربة، وفى أثناء تشكيل عالم جديد يولد، هو عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى. وفى تلك الأثناء يقوم كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة، ليدخل العالم الإسلامى كله فى جدل شديد حول ذلك الأمر، وحول مصير ومستقبل الخلافة.
ولا يعنينا هنا الدخول فى تفاصيل الجدل بين التيارات الفكرية والسياسية حول ذلك الأمر آنذاك، ولكن ما يهمنا هو انعكاس ذلك على السنهورى «الشاب» الذى خصص موضوع رسالته للدكتوراه حول الخلافة فى الفكر الفقهى والسياسى الإسلامى، وأنهى رسالته بتصوراته حول مستقبل الخلافة.
وفى الجزء الخاص بالتطور التاريخى للخلافة الإسلامية، يبدو السنهورى عقلانى النظرة والتناول إلى حد كبير، ربما أكثر من بعض كُتّابنا الآن، وهذا ما سنراه فى المقالين القادمين.











0 تعليق