تواصل العلاقات بين موسكو وبروكسل التعقيد، وهذه المرة على ملف التأشيرات.
كشف تقرير حديث لصحيفة "بوليتيكو" عن مساعٍ أوروبية لتقليص منح التأشيرات متعددة الدخول للمواطنين الروس، والاكتفاء في أغلب الحالات بتأشيرات لمرة واحدة فقط.
وتستثنى من هذه القيود الحالات الإنسانية والضرورات القصوى مثل العلاج الطبي ولم شمل العائلات، في إطار ما وصفته المصادر الأوروبية بأنه "إجراء تنظيمي لضبط حركة السفر القادمة من روسيا".
تباين الدول الأعضاء وسلطة المفوضية
رغم توجه الاتحاد الأوروبي للتشديد، تظل السلطة النهائية بيد الدول الأعضاء، ما يعني أن المفوضية الأوروبية لا تستطيع فرض حظر شامل على جميع المواطنين الروس.
ويستمر بعض الدول مثل هنغاريا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا في منح التأشيرات للروس بشكل شبه طبيعي، مما يعكس تباين المواقف داخل المنظومة الأوروبية ويبرز صعوبة صياغة موقف موحد تجاه موسكو.
هذا التباين يعكس أيضًا اختلاف الحسابات السياسية والاقتصادية لكل عاصمة، وهو ما يجعل القرارات الأوروبية أقل اتساقًا في هذه القضية الحساسة.
أرقام التأشيرات وتأثير القيود
تشير الإحصاءات إلى أن نحو 500 ألف روسي حصلوا على تأشيرات "شنغن" خلال عام 2024، بزيادة ملحوظة مقارنة بعام 2023، لكنها تبقى أقل بكثير من أرقام ما قبل النزاع في أوكرانيا وجائحة كورونا، حين بلغ عدد التأشيرات الممنوحة نحو 4 ملايين في عام 2019.
وتعكس هذه الأرقام تأثير القيود والسياسات الجديدة على حرية التنقل والسفر، وتؤكد أن مسألة التأشيرات أصبحت اليوم جزءًا من أدوات الضغط السياسي على روسيا.
القيود الأوروبية وخلفيتها
القيود الجديدة تأتي في سياق أوسع من الإجراءات التي بدأها الاتحاد الأوروبي بعد إلغاء اتفاقية تسهيل السفر مع روسيا في عام 2022، عقب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
بعض الدول اتخذت خطوات أشد، بما في ذلك منع دخول المواطنين الروس حتى مع امتلاكهم تأشيرات سارية، في حين تراوحت سياسات دول أخرى بين التشدد المعتدل ومنح التأشيرات شبه الطبيعية.
هذه السياسات المتباينة تظهر الصعوبة المستمرة في توحيد المواقف الأوروبية، رغم وجود توجه عام نحو تشديد القيود تدريجيًا على التنقل الروسي.
استراتيجية الضغط السياسي
ويعتبر المراقبون أن الإجراءات ليست مجرد قيود تنظيمية، بل تمثل جزءًا من استراتيجية أوروبية للضغط السياسي غير المباشر على موسكو.
تهدف هذه الاستراتيجية إلى تقليص التفاعل المدني والسياحي مع روسيا دون الوصول إلى حظر شامل، وفي الوقت نفسه إرسال رسالة سياسية واضحة في ظل استمرار النزاع في أوكرانيا.
مع ذلك، يظل التباين بين الدول الأعضاء علامة على التحدي الكبير الذي يواجه الاتحاد في صياغة موقف موحد تجاه موسكو، خاصة مع اختلاف الأولويات الاقتصادية والسياسية لكل دولة.
انعكاسات على العلاقات الروسية الأوروبية
العلاقات الروسية الأوروبية باتت اليوم أكثر تعقيدًا، إذ امتدت المواجهة إلى حرية التنقل والسفر التي كانت تعتبر سابقًا أحد أبرز رموز الانفتاح بين الجانبين.
اليوم، أصبحت هذه المساحة الجديدة ساحة صراع سياسي ملموس، يعكس عمق الانقسامات في الرؤية الأوروبية تجاه روسيا.
ويشير المحللون إلى أن هذه القيود ستستمر وتتطور تدريجيًا مع استمرار النزاع وتصاعد التوتر بين موسكو وبروكسل، مما يجعل السفر والتنقل نقطة حساسة في العلاقات بين الطرفين ويزيد من صعوبة التفاهم على المستوى الدبلوماسي والسياسي.


















0 تعليق