لم تكن فتوى مصطفى العدوى عن «التبرؤ من فرعون وجنوده» وتحذيره من التشبّه بهم فى إشارة إلى المصريين الذين غيّروا صورهم على مواقع التواصل الاجتماعى إلى الزى الفرعونى، واصفًا التماثيل بأنها أصنام، قائلًا إن دخول المتحف يجب أن يكون للعظة لا للتباهى- إلا حلقة جديدة فى سلسلة طويلة من الانحراف الفكرى المتخفى وراء قناع «السلفية المدخلية» التى تزعم الابتعاد عن السياسة، بينما تغرس جذور التطرف تحت عباءة الطاعة.
فرغم أن «العدوى» يعلن منذ بداية مسيرته عن التزامه بفكر السلفية المدخلية، التى تُحرّم الخروج على الحاكم وتدعى نقاء الدعوة عن السياسة، فإن افتتاح المتحف المصرى الكبير كان كاشفًا ومحرجًا له، فضح ما يخفيه من فكر متشدد وعداء دفين لكل ما هو مصرى وحضارى.
وسقطت أقنعة الالتزام السلفى، حين انكشف الوجه الحقيقى لداعية يكره رموز الهوية المصرية، ويتعامل مع الحضارة الفرعونية كما يتعامل التكفيريون مع خصومهم باللعن والرفض والتجريم.
لم يبدأ «العدوى» طريقه من الأزهر، أو المعاهد الشرعية، بل من كلية الهندسة، قسم الميكانيكا، وهناك، لم يكن فى ذهنه ما يتجاوز المعادلات والتروس، لكن فى أواخر السبعينيات، ذهب فى رحلة إلى اليمن ليعود منها شخصًا آخر، مشبعًا بأفكار المدخلية الوهابية التى تتبنى الولاء المطلق للحاكم، والتكفير الضمنى لكل من يختلف مع رؤيتها الضيقة للعقيدة.
منذ تلك اللحظة، تحوّل المهندس الشاب إلى داعية يعتلى المنابر، يوزّع الفتاوى ويحدّد للمصريين ما يجوز وما لا يجوز، ناسخًا من تراث ابن تيمية خليطًا متناقضًا من الخضوع السياسى والتشدد الدينى.
وقدّم «العدوى» تحقيقات موسّعة لعدد من الكتب التراثية، أبرزها «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان» لابن تيمية، وهو الكتاب الذى مثل أحد أهم مراجع الفكر التكفيرى فى العصور اللاحقة.
فى تحقيقاته، أعاد «العدوى» طرح فتاوى تُكفر الأقباط، وتَعتبر تارك الصلاة كافرًا، وتنفى ولاية العاصى، مقدّمًا ذلك تحت لافتة «تجديد الإيمان»، بينما هى فى حقيقتها تجديد للتقسيم والفتنة.
ويتحدث فى العلن عن رفض الفوضى وتحريم الخروج على الحاكم، لكنه فى السر يهدم أُسس المجتمع المدنى المصرى بتكفير المكونات الوطنية التى شكلت هوية البلاد، وهو الوجه المصرى لـ«المدخلية المموّهة» التى تسكت الناس عن السياسة لكنها تزرع فيهم بذور الكراهية باسم الدين.
وجاء افتتاح المتحف المصرى الكبير ليضع «العدوى» فى مواجهة نفسه، فبينما احتفى المصريون بعظمة تاريخهم وتحولت شاشات التواصل إلى احتفال قومى، خرج بفتوى تصف الفراعنة بـ«جنود فرعون»، نافيًا أى شرف فى التزيى بزيهم أو الاحتفاء بآثارهم.
وكما أن فتاواه لا تهاجم الدولة مباشرة، فهى تنخر فى جدار الانتماء الوطنى، وتضع الدين فى مواجهة الحضارة، والمقدس فى صدام مع التاريخ، ليتحول الخطاب إلى سلاح ناعم يبرد التطرف بعبارات هادئة، لكنه لا يقل خطرًا عن التكفير الصريح.














0 تعليق