الإثنين 03/نوفمبر/2025 - 08:52 م 11/3/2025 8:52:31 PM
 فى ظل الوضع المأساوى الذى تعيشه مدينة الفاشر ومناطق واسعة من إقليم دارفور، والصدمة الإنسانية والأخلاقية غير المسبوقة جراء انتهاكات ميليشيا الدعم السريع، يواجه الصحفيون والعاملون فى الحقل الإعلامى تحديات جسيمة ضمن حملة ممنهجة تستهدف إسكات الأصوات الحرة وحجب الحقيقة عن العالم.
وأكد السر القصاص، رئيس رابطة الصحافة الإلكترونية فى السودان، أن الميليشيا حولت مكاتب وسائل الإعلام إلى مراكز احتجاز وتعذيب، واختطفت صحفيين مقابل فدية مالية.
وكشف «القصاص»، فى حواره مع «الدستور»، عن أنه تم توثيق عمليات تصفية ميدانية لعدد من الإعلاميين أثناء محاولتهم تغطية الأوضاع الإنسانية فى الفاشر ونيالا وزالنجى، حيث ارتفع عدد القتلى من الصحفيين إلى أكثر من ١٤ صحفيًا وإعلاميًا خلال الأسابيع الأخيرة.
■ ما طبيعة الانتهاكات التى ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع ضد الصحفيين خلال هجومها على مدينة الفاشر؟
- فى البداية، أحب أن أقدم التحية والتقدير لـ«الدستور»، على هذه الفرصة، باعتبارها تسهم فى التعريف بما حل فى السودان من كارثة مستمرة حتى الآن.
ارتكبت الميليشيا انتهاكات متعددة تجاه مراكز تحفيظ القرآن والكنائس، ودور العبادة بشكل عام، وكذلك تجاه العملية التعليمية، إذ استهدفت المدارس والطلاب والمعلمين.
واستكملت حلقات هذه الانتهاكات بجريمة حجب المعلومة، وهى جريمة معروفة يحاربها العالم بأسره، لأنها تعنى أن يعيش الناس فى ظلام من المعرفة. 
وبهذا، استهدفت الميليشيا الصحفيين مباشرة، فبدأت أولًا بالهجوم على إذاعة شمال دارفور والتليفزيون المحلى، حيث أرسلت المسيرات والمتفجرات لتدمير هذا الجسر الإعلامى الذى يربط المدينة بأهلها، وكان ذلك فى مدينة الفاشر.
كما تمثلت الانتهاكات فى حرق مبنى التليفزيون القومى والاعتداء على تليفزيون «مدنى» وحرقه، وهى مؤسسات تمثل الحاضنة الرئيسية للصحفيين والإعلاميين فى السودان.
وتجدر الإشارة إلى أن طبيعة هذه الانتهاكات موجهة بشكل مباشر ضد الصحفيين، باعتبارهم الجهة التى تنقل للعالم حقيقة ما يجرى من جرائم وانتهاكات، وتربط المجتمع السودانى والقومى بالواقع الميدانى.
كما وجب التنويه إلى أن الميليشيا نفسها صممت رسالة مضادة تستهدف اغتيال الصحفيين معنويًا، وتشويه صورتهم، واختراق حساباتهم، وتزييف المعلومات، بل قامت بإنشاء مئات المنصات على وسائل التواصل الاجتماعى بصورة غير حقيقية، مستخدمة أسماء تعمل فى جهات حكومية.
وواصلت هذه الميليشيا حربها الإلكترونية بحملات قرصنة ممنهجة، بهدف انتهاك سمعة الصحفيين والإساءة إليهم، إلى جانب تلفيق الأخبار حولهم وتضليل الرأى العام المحلى والدولى.
■ كيف تتعامل ميليشيا الدعم السريع مع الصحفيين داخل المناطق التى تسيطر عليها؟ 
- أولًا، الميليشيا لا تملك أى سلطة أو قيم أخلاقية يمكن أن تحكم تصرفاتها، ولا تمتلك أى وازع إنسانى أو مهنى يجعلنا نتوقع منها سلوكًا منضبطًا أو متزنًا، فهذه الميليشيا تنتمى إلى المدرسة البربرية الهمجية التى تستهين بالأرواح.
واستهدفت الميليشيا الشباب والنساء والأطفال، وبالطبع، كان الصحفيون من بين أبرز المستهدفين، فهى تتعامل مع الصحفيين على أنهم أشخاص غير مرغوب فيهم، يسعون إلى كشف الحقيقة ونقل الانتهاكات، لذلك عملت على تهجير معظم الصحفيين الذين لا يتبنون خطابها الدعائى أو لا يتماشون مع أجندتها، خصوصًا فى إقليم دارفور.
ومن خلال تجربتها فى السودان، اعتقلت الميليشيا نحو ١٤ صحفيًا، أطلقت سراح عشرة منهم، فيما لا يزال أربعة صحفيين رهن الاعتقال حتى الآن، هؤلاء الصحفيون تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والإهانة والإذلال، وتعاملهم الميليشيا بقسوة مفرطة وعدوانية مروعة.
وبفضل تدخل الجيش السودانى وتحريره لعدد من المناطق، تمكن من العثور على بعض الصحفيين المعتقلين وإنقاذهم، بينما لا تزال هناك حالات أخرى قيد المتابعة.
لدينا حاليًا عشرة الصحفيين فى مناطق مختلفة مثل الجزيرة وأجزاء من سنار، كانوا يعملون فى العاصمة الخرطوم، من بينهم اثنان يعملان بالإذاعة السودانية، وصحفى بالتليفزيون القومى، إضافة إلى اثنين آخرين من شرق النيل، بينما نقل آخرون إلى سجون فى مناطق نائية.
كانت الميليشيا تنوى ترحيلهم إلى دارفور، إلا أن التقدم السريع لقوات الجيش نحو الجزيرة ثم الخرطوم حال دون تنفيذ هذه الخطط، ما أدى إلى تعطيل عملية نقلهم.
■ هناك تقارير عن تعرض صحفيات للاغتصاب.. ما مدى صحة هذه المعلومات؟ وهل تم توثيق الحالات رسميًا؟
- بحسب المعلومات المتاحة من مصادر ميدانية ومنظمات حقوقية محلية، تم التأكد من حالتين موثقتين لاعتداءات جنسية طالت صحفيتين أثناء الأحداث الأخيرة فى مدينة الفاشر، إلا أن طبيعة العمل الصحفى فى السودان، إلى جانب الأوضاع الأمنية الهشة، تجعل من الصعب تقييم جميع المعلومات أو الكشف عن تفاصيل إضافية.
ورُصدت حالات اغتصاب واعتداء جسدى خلال عمليات التفتيش والمداهمة التى رافقت الهجوم على الفاشر، وهذه الانتهاكات ليست معزولة، بل تعد امتدادًا لسلوك ممنهج تستخدمه الميليشيا كوسيلة لترهيب السكان وإسكات الأصوات الإعلامية المنتقدة، وخاصة النساء العاملات فى المجال الصحفى الإعلامى. وبسبب تصاعد العنف واتساع رقعة الانتهاكات، اضطرت أعداد كبيرة من الصحفيات إلى مغادرة الفاشر قسرًا، بعد تلقيهن تهديدات مباشرة أو تعرضهن لمضايقات متكررة فى أماكن العمل والسكن.
كما أفادت مصادر محلية بأن بعض الصحفيات تم احتجازهن لفترات وجيزة، وتعرضن خلال ذلك للإهانة الجسدية واللفظية، قبل أن يفرج عنهن بشرط عدم العودة لممارسة العمل الإعلامى أو تغطية الأحداث الجارية.
ورغم محاولات جهات حقوقية توثيق الانتهاكات بشكل رسمى، إلا أن القيود المفروضة على الحركة داخل المدينة، إضافة إلى انعدام الأمان، تعوق عمليات التوثيق الميدانى.
ويجب أن أشيد بالدعم الكبير الذى نتلقاه من مؤسسات الإعلام فى جمهورية مصر العربية، التى تقوم بدور محورى فى نقل حقيقة ما يجرى فى السودان إلى العالم.
إن مصر، التى تحتضن اليوم ما بين مائة وخمسين إلى مائتى صحفى سودانى من مختلف التخصصات الإعلامية، تؤدى دورًا مهمًا فى احتضان الإعلاميين السودانيين وتوفير بيئة داعمة لهم.
كما أن الاتحاد العام لنقابات الصحفيين السودانيين الموجود فى مصر أصبح مركزًا حيويًا لتنسيق الجهود ودعم زملائنا فى الداخل والخارج.
ما الدوافع وراء استهداف الصحفيين بشكل خاص؟ 
- استهداف الصحفيين فى دارفور لم يأت من فراغ، بل هو جزء من سياسة ممنهجة تتبعها ميليشيا الدعم السريع لإسكات الأصوات المستقلة التى توثق وتفضح الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين. منذ بداية الحرب، برز الصحفيون كإحدى أكثر الفئات استهدافًا فى دارفور، سواء عبر القتل أو الاعتقال أو الإخفاء القسرى، وتشير تقارير منظمات دولية إلى أن الدعم السريع تتعامل مع الصحفيين كخصوم سياسيين. والارتباط بين الاستهداف وبين تغطية الانتهاكات فى دارفور واضح وجلى، فكلما تصاعدت التقارير الإعلامية التى تكشف جرائم الميليشيا مثل الإعدامات الميدانية أو الاعتداءات على المستشفيات والمخيمات تزايدت بدورها حالات الاعتداء على الصحفيين. إضافة إلى ذلك، تسعى الميليشيا إلى السيطرة على تدفق المعلومات عبر تحويل بعض مقار وسائل الإعلام المحلية إلى مراكز احتجاز أو دعاية، بحيث يستخدم الإعلام كأداة تبرير لأفعالها لا كمنبر حر.
 


















0 تعليق