شهدت فعاليات اليوم الأول من الدورة الثانية من منتدى القاهرة الدولي (CAIRO FORUM 2)، الذي ينظمه المركز المصري للدراسات الاقتصادية، جلسة هامة بعنوان "معضلة الشرق الأوسط: إلى أين؟ هل سنصل يومًا إلى ما بعد؟ وكيف سيبدو الأمر؟"، سبقتها كلمة للسفير الدكتور نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري الأسبق.
حذر السفير الدكتور نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري الأسبق، من واقع دولي وإقليمي بالغ الخطورة. وأكد فهمي أن أسس النظام الدولي ذاتها تتآكل، حيث أفسح النظام ثنائي القطب المجال أمام مشهد سئ ومتنازع عليه وغير متوقع، وتُطبق القواعد فيه انتقائيًا على الضعفاء ولكن نادرًا على الأقوياء، كما لفت إلى تشابك التحديات العالمية مع هذه الأزمات، وأننا نشهد عالمًا تتقدم فيه القوة غالبًا على المبادئ وتتجاوز المصالح العدالة.
دعم الأمن الاجتماعي
وأوضح فهمي أن المؤسسات التي بُنيت لدعم الأمن الجماعي تعثرت، قائلًا: “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مشلول، والقانون الدولي يُنتهك روتينيًا في وضح النهار، والقوة العسكرية تستخدم بشكل استباقي خارج الأطر الشرعية”،وفي هذا السياق، شدد على ضرورة أن ينهض الجنوب العالمي بالتعريف الأوسع لاستعادة التوازن وإعادة تأكيد مبادئ المساواة والسيادة وعدم التدخل، مستلهمًا روح مؤتمر باندونغ قبل 70 عامًا.
وفي سياق الوضع الإقليمي، وصف السفير فهمي الشرق الأوسط بأنه ليس مراقبًا سلبيًا، بل هو مسرح مركزي تتقاطع فيه التنافسات العالمية والطموحات الإقليمية والتطلعات المحلية، وأشار إلى أن المنطقة تشهد إعادة تشكيل هيكلية عميقة تتمثل في ثلاثة مسارات: أولًا، إعادة توزيع القوة الإقليمية وظهور فاعلين جدد، ما أدى إلى تنافسات متزايدة، ثانيًا، انهيار الأطر الأمنية التقليدية والاعتماد المفرط على قوى خارجية، مؤكدًا أنه لا يمكن لأي نظام مستدام أن يستقر على أكتاف الغرباء، وثالثًا، الصراع على الهوية والانتماء، في محاولة لتذويب الهوية العربية في مفهوم شرق أوسطي مبهم، وحذر قائلًا: "إذا لم نحدد مستقبلنا بأنفسنا، فسيحدده الآخرون لنا، وليس بالضرورة وفقًا لتطلعات شعوبنا".
انسحاب إسرائيلي كامل
ولم تغفل كلمة السفير فهمي القضية الفلسطينية، التي وصفها بـ"المحك الحقيقي للعدالة العالمية"، وأدان النفاق الذي يسمح بالاحتلال الدائم والظلم اليومي، مؤكدًا أن عالمًا يسمح بالاحتلال الدائم والظلم اليومي لا يمكنه التحدث بمصداقية عن القانون أو المساواة، وطالب بموقف ثابت ينهي الاحتلال، ويعترف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، ويُفعل آليات المساءلة عن انتهاكات القانون الدولي.
وعن اتفاق غزة الأخير، اعتبره السفير فهمي اتفاقًا إطاريًا مكتوبًا بقلم رصاص، مشيرًا إلى أن التجمع في القدس حول الاتفاق كان أداءً في السياسة الداخلية لكل من أمريكا وإسرائيل، وليس خارطة طريق للسلام. ودعا إلى تعزيز دولي للاتفاق عبر مجلس الأمن، ودعم إنساني مستدام لغزة، وانسحاب إسرائيلي كامل وتدريجي منها، والتصدي لما يحدث في الضفة الغربية من التهام للأراضي واستخدام للعنف بهدف إنهاء التطلعات الفلسطينية بالكامل.
وذكر فهمي أن الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي ليست عضوًا في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية هي إسرائيل. كما دعا إلى استلهام اقتراح مصر وإيران عام 1974 بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
واختتم السفير نبيل فهمي كلمته بتأكيد أن العالم العربي يقف على مفترق طرق، ويمتلك جغرافيا استراتيجية وموارد طاقة هائلة وسكانًا شبابًا وإرثًا حضاريًا، ودعا إلى التحرك على خمس جبهات: إدراك التحديات بصدق، تبني إصلاحات وطنية وإقليمية مستمرة، تشجيع مشاركة مكونات المجتمعات، الانتقال من الوحدة الخطابية إلى التكامل العملي، والاستثمار في رأس المال البشري. مؤكدًا أن التاريخ لا يقدم أي توقف، إما أن نصنع المستقبل أو يصنعنا، وأن الخيار لنا في تشكيل شرق أوسط يكرم تاريخه ويصون مستقبله.












0 تعليق