اللبنانيون ليسوا بحاجة إلى شهادة برّاك ليعرفوا أن دولتهم فاشلة

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
ما قاله الموفد الأميركي إلى سوريا توم برّاك عن الدولة اللبنانية لم يفاجئ أحدًا من اللبنانيين، وبالأخصّ من هم مسؤولون عن إدارة شؤون هذه الدولة. هم يعرفون أن دولتهم فاشلة، ولم يكونوا في حاجة إلى من ينبههم إلى هذه الناحية، ولم يكونوا ينتظرون أن يقول برّاك أو غيره غير هذا الكلام. فالشمس شارقة والناس قاشعة، وبالتالي لا مجال لحجب نور الشمس بمنخل.

Advertisement

فعندما قال برّاك ما قاله لم يضف أي جديد على الواقع المأزوم، الذي تعيشه الدولة اللبنانية. وهذا الواقع ليس وليدة الأمس، بل هو نتيجة تراكمات من سنوات طويلة من الفساد والإهمال والتلهي بأمور ثانوية، وغض الطرف عن الأمور الجوهرية، التي لها علاقة مباشرة بأمن الناس ومصيرهم، وبالرغيف المغطّسة كل قضمة منه بالعرق والدّم.
الدولة اللبنانية فاشلة بكل المعايير، السياسي منها والاقتصادي والأمني. وعندما يُقال "الدولة" فهذا التوصيف يشمل كل الأحزاب والتيارات السياسية، وكل المجتمع المدني، وكل الهيئات الاجتماعية، التي تُرسم حول أهدافها وعملها وطريقة إدارة الأموال فيها الكثير من علامات الاستفهام. فإذا كانت الدولة فاشلة، وهي كذلك، فهذا يعود في الأساس إلى أن الأحزاب اللبنانية فاشلة، ولأن التعاطي السياسي بالطريقة، التي يتم التعاطي بها، ولها أكثر من وجه من وجوه الفشل، اثبت أن "دود الخلّ منّو وفيه".
فكيف لا تكون الدولة فاشلة وهي عاجزة عن القيام بما يجب أن تقوم به تجاه ناسها الجنوبيين، والعمل على تأمين الظروف الطبيعية لعودتهم إلى قراهم، والقيام بحملة ديبلوماسية واسعة لإقناع الدول الشقيقة والصديقة بممارسة أقصى ضغط ممكن على إسرائيل لكي توقف اعتداءاتها اليومية، وبالتالي سحب جيشها من كل شبر لبناني لا يزال محتلًا؟
كيف لا تكون الدولة فاشلة وهي تحاول استجداء أمن مواطنيها بالتراضي و"تبويس الحى". الدولة الفاشلة هي تلك العاجزة عن حصر السلاح، أي سلاح، في أيدي القوى الشرعية.
كيف لا تكون الدولة فاشلة وهي التي تقف مكتوفة الأيدي أمام أزمة ودائع الناس في المصارف اللبنانية، وهي غير قادرة على وضع قانون يحدّد الفجوة المالية؟
كيف لا تكون الدولة فاشلة وهي التي لا تستطيع أن تقول للمغترب اللبناني بأن صوته الانتخابي هو كصوت المقيم. له الحقوق الكاملة ذاتها، وعليه نفس الواجبات المفروضة على اللبناني المقيم؟
كيف لا تكون الدولة فاشلة بكل المقاييس والمعايير وهي التي لا تستطيع أن تؤّمن لجميع مواطنيها حرية الحركة على كامل التراب اللبناني، ومن ضمنه المربعات الأمنية والبؤر الأمنية داخل المخيمات الفلسطينية، وهي التي لا تستطيع أن تحمي ابناءها من رصاص الغدر أو من الرصاص الطائش؟
كيف لا تكون الدولة فاشلة وهي التي تتلهى بأمور كثيرة فيما المطلوب شيء واحد. وهذا الشيء المطلوب، والذي يطالب به كل مواطن إلى أي طائفة أو مذهب أو حزب سياسي انتمى، غير متوافر، على أن يبقى المطلب الوحيد اليوم وغدًا، وكما كان بالأمس، وهو هذه الخلطة السحرية، التي من خلالها يصل كل مواطن إلى حقّه الطبيعي من الناحيتين الأمنية والاقتصادية.
فلكي يصدّق المواطن اللبناني بأنه لا يعيش في دولة فاشلة على "دولته العلية" أن تثبت له العكس، ليس بالكلام المعسول الذي يسمع منه يوميًا الكثير الكثير، بل بالعمل الجدّي والدؤوب.
ولكي لا تكون الدولة اللبنانية، بمؤسساتها وإداراتها وأحزابها وجمعياتها، دولة فاشلة عليها أن تثبت العكس. وهذا العكس يتطلب "عدّة شغل" غير تلك التي لا تزال تعمل من منطلقات خاطئة، وعلى أساس أن أمور البلد ماشية على خير ما يرام.
على المسؤولين في هذه الدولة الفاشلة أن يقتنعوا هم أنفسهم، قبل إقناع غيرهم، بأن ما يقومون به غير كافٍ لإعادة ثقة الناس بدولتهم، التي تُشّوه صورتها بالممارسة اليومية بدءًا من بلدية بليدا وصولًا إلى مداخل مخيم شاتيلا، مرورًا بصخرة الروشة، ومن دون نسيان الصوت الاغترابي، الذي لا يزال ضائعًا في صناديق السراي الحكومي وساحة النجمة. 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق