منذ أسابيع قليلة فقط، كان ليفربول يتصدر المشهد الإنجليزي بثقة الأبطال، ويُقدَّم نموذجاً للاستمرارية والتوازن التكتيكي لكن الصورة انقلبت تماماً، ليظهر الفريق الآن كالـ"شبح" لما كان عليه، بعد أن فقد بريقه تحت قيادة المدرب الهولندي آرني سلوت، الذي يبدو أن فكرته الجديدة لم تجد طريقها بعد إلى أرض الملعب، ويستعرض تحيا مصر التفاصيل.
السقوط في أنفيلد… جرس إنذار مدوٍ
الهزيمة القاسية أمام كريستال بالاس بثلاثية نظيفة في كأس الرابطة الإنجليزية كانت أكثر من مجرد خسارة عابرة لقد كانت إعلاناً رسمياً عن أزمة مكتملة الأركان.
فالفريق الذي لطالما اعتاد أن يكون خصماً مرعباً على ملعب "أنفيلد"، بدا باهتاً، عاجزاً عن مجاراة خصمه في الإيقاع أو القوة أو حتى الروح.
هذه النتيجة جاءت لتؤكد أن سلسلة التراجع ليست صدفة، بعد أربع مباريات دون أي فوز، وتراجع الفريق إلى المركز السابع في الدوري برصيد 15 نقطة فقط، وهو رقم لا يليق ببطل الموسم الماضي.

من الانسجام إلى الفوضى
ما يثير التساؤلات هو التحول الجذري الذي طرأ على أسلوب ليفربول خلال فترة قصيرة فمن فريق منظم، يلعب بخطة واضحة تعتمد على الضغط العالي والتدرج السلس في بناء اللعب، تحول إلى كيان متردد، مفكك، بلا ملامح واضحة.
سلوت، الذي قاد الفريق إلى لقب الدوري بأسلوب متوازن بين الواقعية والجرأة الهجومية، قرر أن يُعيد تشكيل البنية التكتيكية من جديد غير أن وتيرة التغيير كانت أسرع من قدرة اللاعبين على التكيف، فاختلت المنظومة وبدأت الثغرات تظهر واحدة تلو الأخرى.
المدرب الهولندي تحدث بعد مباراة كريستال بالاس قائلاً إن "الفريق يحتاج إلى العودة للأساسيات"، لكن المفارقة أن مشكلته تكمن بالضبط في التخلي عن هذه الأساسيات التي جعلت ليفربول بطلاً فالتجريب المستمر في التشكيلة، وتغيير المراكز بشكل مفرط، أفقد اللاعبين الإيقاع النفسي قبل أن يربكهم تكتيكياً.

أزمة هوية واضحة
لم يعد ليفربول الفريق الذي يخشاه الجميع بسبب طاقته البدنية الهائلة وسرعة تحوله من الدفاع إلى الهجوم. الآن، يفتقد الفريق للهوية، وتبدو خطوطه الثلاثة كأنها تعمل كلٌّ بمعزل عن الآخر.
في لقاء برنتفورد الأخير، كان المشهد صادماً: الفريق خسر كل المعارك البدنية، فشل في الكرات الهوائية، وظهر عاجزاً عن التعامل مع الضغط المتقدم الكرات الثابتة تحولت إلى كابوس، والكرات الطويلة أربكت الدفاع بشكل متكرر هذه المشكلات لم تكن موجودة في الموسم الماضي، ما يعني أن المشكلة ليست في نوعية اللاعبين بل في طريقة توظيفهم.
التغييرات التكتيكية… منطق ضائع
صحيفة تلغراف البريطانية أشارت في تقرير تحليلي إلى أن أربعة لاعبين فقط شاركوا في مراكزهم المعتادة مقارنة بمباراة توتنهام التي حسم فيها الفريق لقب الدوري قبل أشهر قليلة.
الاضطراب في التشكيلة، بحسب الصحيفة، أضعف التماسك الذهني بين الخطوط. فبدلاً من إجراء تحسينات موضعية كما كان متوقعاً بعد موسم اللقب، قرر سلوت إعادة بناء الفريق من جديد، وكأن المشروع السابق كان فاشلاً. هذه المقاربة أثارت استغراب كثير من المتابعين، إذ لم يكن الفريق بحاجة إلى "ثورة"، بل إلى بعض الإصلاحات الدقيقة.
إقحام الألماني فلوريان فيرتز في مركز وسط ثلاثي مثّل مثالاً على سوء التوظيف اللاعب الذي تألق في دور حر خلف المهاجمين، وجد نفسه مطالباً بأدوار دفاعية لا يجيدها، فاختل التوازن في وسط الميدان. في المقابل، بدا فان دايك وكوناتي مكشوفين أمام التحولات، خاصة مع التراجع الكبير في المساندة الدفاعية من لاعبي الوسط والأطراف.

أزمة دفاعية ومعاناة هجومية
غياب الحارس أليسون بيكر بداعي الإصابة زاد الطين بلة. فالأهداف التي تلقاها الفريق في آخر خمس مباريات كان يمكن تفادي معظمها بوجوده، وفقاً لتحليل “التلغراف”.
أما على الجهة اليسرى، فقد بدا الوافد الجديد ميلوش كيركيس تائهاً في مواجهة الإيقاع السريع للبريميرليج، ما جعل دفاع ليفربول عرضة للانهيار في كل لحظة.
في الخط الأمامي، برزت معاناة هجومية مختلفة هوجو إيكيتيكي أظهر مستوى جيداً في التحركات، لكنه لم يجد من يمده بالكرات، بينما يعيش السويدي ألكسندر إيزاك عزلة تامة في الصندوق الفريق لم يعد يعتمد على الكرات العرضية أو الاختراقات العمودية، بل بات يكتفي بالتمريرات الجانبية خوفاً من فقدان الكرة هذه الطريقة قتلت الإبداع وأضعفت الخطورة.
صلاح… الضحية لا السبب
رغم تراجع معدله التهديفي مؤخراً، يبقى محمد صلاح أحد القلائل الذين يحافظون على الحد الأدنى من الاتزان الهجومي. صحيح أنه أهدر بعض الفرص، لكن تحميله مسؤولية الانهيار يبدو ظلماً واضحاً.
فالمشكلة في ليفربول اليوم لا تتعلق بلاعب أو اثنين، بل بمنظومة كاملة فقدت توازنها صلاح يتحرك ويصنع المساحات، لكن غياب الدعم من الوسط وانخفاض جودة التمريرات جعلاه أقل تأثيراً.

هل وصل الفريق إلى القاع؟
آرني سلوت أكد في تصريحاته الأخيرة أنه يرى الخسارة أمام برنتفورد "أدنى نقطة في المنحنى"، وأن الفريق سيبدأ منها رحلة الصعود من جديد لكن الواقع لا يبشر بالكثير الإصابات تضرب الفريق في أكثر من مركز، والروح الجماعية تبدو مهزوزة، والجماهير بدأت تفقد الثقة في قدرة المدرب على إعادة الأمور إلى نصابها.
الطريق إلى الإنقاذ
حتى أكثر المتفائلين لا يتوقعون أن يدافع ليفربول عن لقبه هذا الموسم، لكن يمكنه على الأقل إنقاذ موسمه إذا أعاد بناء الثقة تدريجياً. الخطوات الصغيرة ستكون أهم من القفزات الكبرى.
العودة إلى الضغط الجماعي، واستعادة الانضباط الدفاعي، وإعادة تعريف أدوار الوسط والهجوم، هي مفاتيح الحل. ليفربول يمتلك جودة فردية عالية، لكن نجاحه الدائم كان قائماً على النظام الجماعي، لا على الأسماء.
ربما يعيش الفريق الآن واحدة من أكثر فتراته غموضاً منذ رحيل يورغن كلوب، لكن التاريخ أثبت أن هذا النادي يعرف دائماً كيف ينهض من كبواته. فإذا استطاع سلوت تجاوز العاصفة واستعادة روح "الريدز" المعروفة، فسيكون قد نجح في أول اختبار حقيقي له في البريميرليغ.
















0 تعليق