قال الفنان التونسى صابر الرباعى إن مشاركته فى مهرجان الموسيقى العربية تُعد من أهم المحطات فى مشواره الفنى، مشددًا على أن المهرجان يمثل صمّام أمان للفن العربى الأصيل فى ظل التحولات الموسيقية المتسارعة التى تحدث فى العالم العربى.
وأكد الرباعى، لـ«الدستور»، أن إقامة المهرجان فى دار الأوبرا المصرية جعلت له طبيعة خاصة: «مجرد الوقوف على المسرح هناك يُعد شرفًا كبيرًا لأى فنان عربى، فالأوبرا المصرية رمز للفن الراقى».
وأضاف: «المشاركة فى مهرجان الموسيقى العربية تعنى الانتماء إلى مدرسة تحترم القيمة قبل الشهرة، وتؤمن بأن الطرب لا يموت ما دام الجمهور العربى بهذا القدر من الوعى والذوق».
وأوضح أن مهرجان الموسيقى العربية لا يُعد حدثًا فنيًا سنويًا فحسب، بل كيانًا ثقافيًا متجذرًا يعبّر عن هوية الأمة الموسيقية، مضيفًا أن المهرجان «يُذكّرنا دومًا بأن الموسيقى ليست ترفًا، بل جزءًا من الوعى الجمعى للشعوب العربية ومكوّنًا أساسيًا من مكونات الشخصية الثقافية للأمة».
وأشار إلى أن كل دورة من دورات المهرجان تؤكد أن الجمال لا يزال حاضرًا، وأن الفن الحقيقى أقوى من الضوضاء التى تحيط بنا.
وأضاف «الرباعى»: «أكثر ما يميّز المهرجان هو التزامه بالمستوى الراقى فى الأداء والأعمال المشاركة. فهو لا يكتفى بتقديم حفلات، بل يعيدنا إلى مدارس الأداء والاحترام المتبادل بين الفنان والجمهور. أراه رسالة فنية وإنسانية تُعيد الاعتبار للطرب كقيمة لا يمكن أن تندثر مهما تغيّر الزمن».
ولفت إلى أن نجاح المهرجان على مدى العقود الماضية يرجع إلى إيمان القائمين عليه بأهمية الفن كقوة ناعمة قادرة على توحيد الشعوب العربية، مشيرًا إلى أن «الفن يوحّد ولا يفرّق، والموسيقى العربية ما زالت تملك القدرة على جمع الناس من المحيط إلى الخليج حول إحساس واحد».
ووجّه تحية تقدير إلى وزارة الثقافة المصرية ودار الأوبرا والقائمين على تنظيم المهرجان، مشيدًا بجهودهم فى الحفاظ على هذا الصرح الفنى العريق بنفس القيمة التى بدأ بها منذ تأسيسه. وقال: «الحفاظ على هذا التراث مسئولية كبيرة، ومصر دائمًا تثبت أنها رائدة الفن العربى وتحتضن مواهبه على أراضيها».
ولفت إلى أن هذا النوع من الفعاليات يرسّخ الوعى الموسيقى لدى الأجيال الجديدة، مؤكدًا أن المهرجان يؤدى دورًا مهمًا فى خلق التوازن بين التراث والتجديد.
وأضاف: «الجيل الجديد بحاجة إلى أن يعيش التجربة الفنية الأصيلة، وأن يسمع الموسيقى فى صورتها الكاملة بتوزيعها الحى وأدائها الصادق. والمهرجان هو المنصة التى تحقق ذلك، لأنه يجمع الكبار والشباب فى مساحة واحدة تتيح التعلم والتأثر الإيجابى».
وأكد أن الحفاظ على هوية الموسيقى العربية مسئولية مشتركة بين الفنانين والمؤسسات الثقافية والجمهور، لافتًا إلى أن «الفن الحقيقى يحتاج إلى وعى وتقدير لا يقلان عن موهبة الفنان».
وقال: «الفن يعيش عندما يجد جمهورًا يحترمه، والجمهور المصرى مثال على هذا الاحترام، لأنه يتفاعل مع الكلمة واللحن والإحساس. لذلك أشعر دائمًا بأن الغناء فى مصر له طعم مختلف، لأنه يعيد للفنان ثقته فى أن ما يقدّمه يجد صداه عند الناس».
وأوضح أن رسالة هذا الحدث الفنى تتجاوز حدود الغناء لتصل إلى الحفاظ على الوجدان العربى المشترك: «عندما نستمع إلى أم كلثوم أو عبدالوهاب أو عبدالحليم فنحن لا نسترجع مجرد أغنيات، بل نعيد بناء ذاكرتنا ونستحضر قيم الجمال والصدق والالتزام الفنى. المهرجان بهذا المعنى ليس احتفالًا بالماضى فقط، بل استثمارًا فى المستقبل».
وأشار إلى أن تكريم رموز الفن فى كل دورة من المهرجان يعكس الوفاء لأجيال أسّست لهذا التراث العظيم، مشيرًا إلى أن استحضار أسماء مثل كوكب الشرق أم كلثوم فى هذه الدورة «أمر طبيعى ومُلهم فى الوقت ذاته».
وتابع: «أم كلثوم كانت وما زالت المدرسة التى نتعلّم منها كل يوم معنى الطرب الحقيقى، وتكريمها فى هذا المهرجان هو تكريم للفن العربى كله. أنا سعيد بأن أكون جزءًا من حدث يضع الكلمة واللحن فى مكانتهما التى تليق بهما».
وشدد على أن الموسيقى العربية قادرة على التطور دون أن تفقد هويتها، داعيًا الفنانين الشباب إلى التمسك بالجذور والابتعاد عن التقليد السطحى.
وأكد أن «التجديد لا يعنى الابتعاد عن الأصل، بل تقديم الفن بروح العصر دون التفريط فى الهوية».
وأضاف: «أؤمن بأن الجمهور الواعى يميّز دائمًا بين الأصالة والادعاء، وبين الإبداع والضجيج. لذلك سيظل الفن العربى بخير طالما هناك مهرجانات تحترم تاريخه وتدعمه مثل مهرجان الموسيقى العربية».
وعن حرصه على تقديم أغانٍ من ألحان الراحل محمد رحيم خلال حفله، قال «الرباعى»: «رحيم كان من أنقى وأجمل الفنانين، وستبقى أعماله خالدة فى وجدان الجمهور. رحم الله هذا الفنان الكبير».
وكشف عن أنه يعد حاليًا ألبومًا جديدًا يتعاون فيه مع مجموعة من الشعراء والملحنين من تونس ومصر ولبنان، موضحًا أن الألبوم يحمل تنوعًا موسيقيًا يجمع بين الإحساس الطربى وروح الحداثة.
وقال: «أسعى دائمًا إلى تحقيق التوازن بين الأصالة والتجديد، لأن الفنان يجب أن يطوّر نفسه دون أن يبتعد عن هويته، فالجمهور يحب الصدق، لا مجرد الشكل أو التوزيع الحديث».
ووجّه رسالة محبة إلى الجمهور المصرى والعربى: «أشكر كل الجمهور المصرى والعربى على دعمه الدائم للفن الراقى، وأؤكد أن التزامنا كفنانين سيظل دائمًا هو الحفاظ على هذا التراث العظيم وتطويره بما يليق بتاريخنا وثقافتنا».

















0 تعليق