أكد الباحث الفلسطيني فراس ياغي، أن اجتماع القاهرة بين الفصائل الفلسطينية، الأسبوع الماضي، والذي جرى بجهود مصرية، يعكس مرة أخرى حرص القاهرة وقيادتها على اعتبار فلسطين وقطاع غزة جزءًا من الأمن القومي المصري، وأن هذا الموقف المصري المتقدم لم يكتفِ بالتأثير الدبلوماسي فحسب، بل عمل بجهد حقيقي لمنع مخططات التهجير ولصد محاولات تصفية القضية الفلسطينية.
واعتبر "ياغي" في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن هذا الدور المصري كان ولا يزال عاملًا حاسمًا في حفظ التوازن الإقليمي ودرء مخاطر قد تكون كارثية على الوجود الفلسطيني في المنطقة.
ياغي: مصر تعيد بوصلة العالم نحو دولة فلسطينية مستقلة
وأضاف "ياغي" أن مخرجات الاجتماع والبيان الذي صدر عنه في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية الأسبوع الماضي، شكل إطارًا عمليًا لسد الذرائع التي قد تستغلها دولة الاحتلال للاستمرار في مخططاتها الرامية إلى إحباط إقامة الدولة الفلسطينية.
وأشار إلى أن ما جاء في البيان يؤسس لآلية واضحة تهدف إلى منع استعمال الانقسام كذريعة لاستمرار سياسة الضم والتوسع أو لتبرير إجراءات أحادية تقوّض إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وأوضح "ياغي" أن القاهرة حرصت على بلورة موقف فلسطيني موحّد يتضمن أن تكون إدارة غزة فلسطينية خالصة وباتفاق جميع الفصائل، معتبرًا أن هذه النقطة تمثل حجر الزاوية في إعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام الذي اعتبره السبب الأساسي لتردي وضع القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة.
وأكد أن توحيد الإدارة الفلسطينية لقطاع غزة سيسهم في تفكيك ذريعة فصل القطاع عن الضفة وخلق واقع سياسي موحد قادر على التفاوض وإدارة المرحلة المقبلة.
ولفت "ياغي" إلى أن التوافق الفلسطيني الذي رعت مصر جزءًا مهمًا منه أفضى إلى مواقف موحدة تجاه قضايا إشكالية رئيسية، من بينها الدور المقترح لقوات الاستقرار الدولي، التي رُحّبت بها بصفتها قوة حفظ سلام وليست قوة احتلال جديدة، وأن أي مسار سياسي مستقبلي يجب أن يكون هدفه النهائي إقامة الدولة الفلسطينية.
كما أشار إلى موقف واضح بشأن قضايا نزع السلاح، معتبرًا أن معالجة هذه الملفات يجب أن تكون جزءًا من الحل السياسي الفلسطيني الداخلي وليس فرضًا خارجيًا يفرّغ القطاع من مقوماته الوطنية.
وأكد "ياغي" أن مخرجات البيان إيجابية وأسست لواقع فلسطيني جديد مبني على التوافق، لكنها ليست بلا عوائق؛ فأمام تطبيق هذه المخرجات تحديات عدة أولها موقف دولة الاحتلال التي قد تعرقل التنفيذ، وثانيها مواقف بعض الأطراف الإقليمية التي قد لا تتناغم بالكامل مع توجه التوافق، ولذلك شدد على ضرورة أن يتحلّى الموقف الفلسطيني بالتماسك ليمنع أي محاولات لعرقلة تنفيذ الاتفاق تحت حجج داخلية أو خلافات بين السلطة وحماس.
ورأى أن الجميع، بما فيهم الفصائل والقيادات، هم مستهدفون من قبل سياسات الاحتلال، لذا فإن الوحدة السياسية تمثل أفضل درع أمام محاولاته.
ارتباط نجاح المسار بموقف الولايات المتحدة كان من النقاط المحورية في تحليله؛ فبحسب "ياغي"، القدرة الفعلية على إنجاح التوافق ودرء محاولات التقويض مرتبطة بإرادة الإدارة الأمريكية، وبالذات الرئيس الأمريكي في حينه، في ردع محاولات قادتها تل أبيب لإفساد الاتفاق.
وأشار إلى أن إسرائيل قد تستخدم ملف جثث الشهداء كذريعة لتأجيل البنود الجوهرية أو الربط بين تسليم الجثث وقضايا أخرى مثل نزع السلاح وتفكيك البنية التحتية للقطاع.
وأوضح أن تردد إسرائيل أو مماطلتها يترك الأمور معلقة في المرحلة الأولى، فيما يمكن للضغط الأمريكي أن يلعب دورًا فاصلًا في تحريك كل الملفات إلى الأمام.
ياغي: يجب توظيف الوساطة المصرية والابتعاد عن الحسابات الضيقة بين الفصائل
كما تناول "ياغي" الموقف الداخلي الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن التصريحات الرسمية لبعض القيادات السياسية تتحدث عن بقاء الجيش الإسرائيلي في عمق غزة حتى تحقيق كامل الأهداف، بينما تُظهر المؤسسة العسكرية رغبة في التراجع إلى منطقة عازلة واعتماد نمط مختلط يجمع بين تجربة الضفة الغربية ونموذج لبنان.
واعتبر ياغي أن هذا التناقض بين الرؤية السياسية والرغبة العسكرية قد يولد حالة من الجمود التي تستدعي تدخلًا دبلوماسيًا فعالًا لمنع استمرار التصعيد.
وعرج "ياغي" على دور الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة، معتبرًا أن الرئيس الأمريكي يشكل عصب الحل أو العائق أمامه، ورأى أن مواقف واشنطن، من دعم خطوات عقابية مثل إغلاق معبر رفح أو رفض قطع المساعدات، تعكس أن كل شيء مرتبط بمدى الحماسة والالتزام الأمريكي بالذهاب بعيدًا في إعادة ترتيب المشهد السياسي لإنهاء الصراع بشكل جذري، أم يبقى المسار مكبّلًا بمصالح إقليمية وسياسات داخلية.
فيما يتعلق بمآلات الصراع المستقبلي، عبّر "ياغي" عن اعتقاده بأن مرحلة محاولات الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري قد انتهت كخطة قابلة للتنفيذ الكامل، ولكن الحرب ستتخذ أشكالًا أخرى تمتد من الضغوط السياسية والاقتصادية إلى الحصار والابتزاز، خصوصًا في ملفات الإعمار والمساعدات وإدارة المعابر، بينما سيستمر البعد العسكري عبر نمط مختلط بين ممارسات الضفة ونموذج الصراع مع لبنان.
وأشار إلى أن هذا التوجه قد يحظى بدعم أمريكي محدود نتيجة ضغوط اللوبيات وتوازنات التحالفات، مما يجعل الضغط الدولي الداخلي والخارجي عنصرًا حاسمًا في تحديد شكل المرحلة المقبلة.
وختم فراس ياغي، بالتأكيد على أن المرحلة الراهنة دقيقة وتتطلب قدرة فلسطينية عالية على التوافق والثبات، وأن أي تقاعس أو إهدار لهذه الفرص سيكلف القضية والفلسطينيين ثمنًا باهظًا.
ودعا إلى استثمار الزخم الراهن، توظيف الوساطة المصرية والابتعاد عن الحسابات الضيقة، والعمل على برنامج وطني واضح يرتب البيت الفلسطيني ويضع خارطة طريق لإدارة المرحلة الانتقالية وصولًا إلى استعادة الحقوق الوطنية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.












0 تعليق