يشهد لبنان اليوم اشتباكًا سياسيًا وإعلاميًا متصاعدًا، يزداد حدة مع مرور الوقت، خصوصًا بعد الحرب الأخيرة التي شهدها البلد في العام الماضي. هذا الاشتباك لا يزال يدور في إطار العناوين الشعبوية والقضايا العامة، من دون أن يطال جوهر المشهد السياسي أو يعالج التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة، والتي تملك بطبيعتها القدرة على تغيير وجه النظام اللبناني بالكامل ورأسًا على عقب.
Advertisement
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن المسار الذي يسلكه الاشتباك الحالي قد يقود إلى واحدة من نتيجتين أساسيتين، وكلتاهما تحمل تداعيات كبرى على مستقبل النظام. الاحتمال الأول يتمثل في أن يذهب "حزب الله" نحو تنازل جزئي أو مدروس عن سلاحه، أو على الأقل عن بعض مكوناته الثقيلة التي أثارت قلق إسرائيل في السنوات الماضية. هذا التنازل، إن حصل، لن يكون بلا ثمن، إذ إن "الحزب" سيطالب في المقابل بتعزيز حصته داخل النظام السياسي اللبناني أو بزيادة التمثيل الشيعي في بنية السلطة، وهو ما سيشكّل عمليًا ضربة حقيقية لاتفاق الطائف وللتوازنات التي أرساها منذ أكثر من ثلاثة عقود.
أما الاحتمال الثاني، الذي يراه البعض أكثر ترجيحًا، فيقوم على قدرة "حزب الله" على امتصاص الضغوط المحلية والإقليمية والدولية التي واجهها في الأشهر الماضية، مستفيدًا من عامل الوقت ومن تراجع الزخم الخارجي في مواجهته. وفي حال نجح في ذلك، فإن الحزب سيسعى إلى تحصين موقعه داخل الدولة اللبنانية عبر آليات دستورية وسياسية، وربما من خلال تعزيز حضوره في المؤسسات الرسمية، بهدف حماية نفسه من أي محاولة مستقبلية لمحاصرته أو إضعافه.
وتشير مصادر متابعة إلى أن أي تغيير في الواقع الدستوري أو السياسي في لبنان قد يأتي من خلال تسوية إقليمية شاملة، يكون الحزب طرفًا أساسيًا فيها، أو عبر إعادة تموضع في العلاقات مع بعض الدول الخليجية التي بدأت في الأشهر الأخيرة بإبداء مرونة أكبر تجاه الملف اللبناني.
في كل الأحوال، تبدو البلاد أمام مرحلة دقيقة، حيث الصراع لم يعد يدور حول الملفات اليومية أو الشعارات الكبرى، بل بدأ يقترب من جوهر النظام نفسه: من طبيعة السلطة، وشكل التوازن بين الطوائف، وحدود النفوذ الإقليمي داخل القرار اللبناني. المرحلة المقبلة ستحدد ما إذا كان لبنان متجهاً إلى تعديل في قواعد اللعبة أو إلى إعادة إنتاج التسوية نفسها بشكل مختلف، لكن الأكيد أن ما بعد الحرب لن يكون كما قبلها.











0 تعليق