سجلت مصر تحولًا غير مسبوق في هيكل مصادر النقد الأجنبي، بعدما أصبحت الصادرات السلعية للمرة الأولى أكبر مصدر للدولار، متجاوزة تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وفقًا لأحدث بيانات البنك المركزي المصري.
قفزة قياسية في الصادرات
بلغت قيمة الصادرات السلعية خلال العام المالي الماضي 40.2 مليار دولار، بزيادة 23.5% مقارنة بالعام السابق، لتتصدر للمرة الأولى قائمة مصادر النقد الأجنبي.
وجاءت هذه القفزة مدفوعة بنمو قطاعات محورية أبرزها الصناعات التحويلية والمنتجات الزراعية والصناعات الهندسية والهواتف الذكية، في ظل خطط حكومية تستهدف تعزيز القدرات التصديرية ورفع القيمة المضافة للمنتجات المصرية وفتح أسواق جديدة في أوروبا وإفريقيا والعالم العربي.
تحول في خريطة الدولار
على الرغم من استمرار قوة تحويلات المصريين العاملين بالخارج، فإنها تراجعت إلى المركز الثاني بعدما سجلت 36.4 مليار دولار بنمو 66.2%، لتفقد موقعها الذي حافظت عليه لعقود كأكبر مصدر للنقد الأجنبي.
ويشير هذا التغير إلى أن الصادرات لم تعد مجرد مورد تكميلي، بل أصبحت المحرك الرئيسي للدولار في الاقتصاد المصري، في تحول نوعي يُعد الأول منذ عقود.
السياحة في المركز الثالث رغم التعافي
جاءت إيرادات السياحة في المرتبة الثالثة بين مصادر النقد الأجنبي بقيمة 16.7 مليار دولار، بزيادة 16.2%، مدفوعة بتعافي القطاع وارتفاع عدد الزوار الدوليين إلى أكثر من 15 مليون سائح خلال العام، وسط توقعات بتجاوز 18 مليون سائح مع نهاية 2025.
وتعمل الحكومة على توسيع الطاقة الاستيعابية للفنادق وتطوير البنية التحتية السياحية، إلى جانب التوجه نحو أسواق سياحية جديدة غير تقليدية.
تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر
في المقابل، شهد صافي الاستثمار الأجنبي المباشر تراجعًا حادًا بنسبة 73.5%، ليبلغ 12.2 مليار دولار فقط، نتيجة تباطؤ تنفيذ بعض الصفقات الكبرى وتأثر التدفقات بالأوضاع الإقليمية.
وتسعى الحكومة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية لتحفيز المستثمرين واستعادة الزخم الاستثماري.
قناة السويس تتأثر بأزمة البحر الأحمر
تراجعت إيرادات قناة السويس بنسبة 45.5% لتصل إلى 3.6 مليار دولار، على خلفية تحويل مسارات ملاحية عالمية بعيدًا عن القناة بسبب التوترات الأمنية في البحر الأحمر.
وتعمل مصر حاليًا على تنويع أنشطة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتعويض الانخفاض في رسوم العبور.
في المقابل، ارتفعت إيرادات النقل الأخرى إلى 5.8 مليار دولار بزيادة 38.4%، بما يعكس نموًا في أنشطة النقل والخدمات اللوجستية.
زيادة في أرباح استثمارات المصريين بالخارج
ارتفعت أرباح استثمارات المصريين بالخارج بنسبة 50% لتصل إلى 2.9 مليار دولار، في مؤشر على اتساع قاعدة المصريين المستثمرين في الخارج وارتفاع العائدات المحولة إلى الداخل.
اقتصاد يعيد ترتيب مصادره
يعكس هذا التحول في ترتيب مصادر النقد الأجنبي نقلة نوعية في هيكل الإيرادات الدولارية لمصر، ويؤكد الاتجاه نحو تقليل الاعتماد على الموارد الريعية التقليدية مثل السياحة والتحويلات، والتركيز على مصادر إنتاجية أكثر استدامة.
وتأتي هذه التطورات في إطار جهود حكومية مستمرة لتعزيز التصنيع المحلي، وتقليص العجز التجاري، ودمج الاقتصاد المصري في سلاسل التوريد العالمية، بما يعزز مناعة الاقتصاد الوطني أمام الصدمات الخارجية ويدعم استقرار العملة المحلية على المدى المتوسط.













0 تعليق