اقتراع المغتربين بين برّي ومعارضيه: اشتباكٌ على التوقيت أم على موازين القوى؟

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
مع كلّ جلسة تشريعية "عادية" يدعو إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، يعود ملف الانتخابات النيابية إلى واجهة الاشتباك السياسي، خصوصًا بعدما دفعت المعارضة باقتراح قانون مُعجّل مكرّر لتعديل آلية تصويت غير المقيمين، من دون أن يدرجه بري على جدول الأعمال، وتقوم على أن يقترع المغتربون للنواب الـ128 كما في عامي 2018 و2022، بدل حصرهم بستّة مقاعدٍ للقارات، لم يُعرَف حتى الآن كيف ستتوزّع.

Advertisement

 

من هنا، لا يبدو أنّ سيناريو الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب يوم الثلاثاء المقبل سيكون مختلفًا عن سابقاتها، إذ تشير المعطيات إلى أنّ جدول الأعمال يخلو من كلّ ما يرتبط بقانون الانتخاب، رغم العريضة النيابية التي جمعت 67 توقيعًا من أجل إدراج بند تعديل قانون الانتخاب، وهو ما دفع قوى معارضة، وفي مقدّمها "القوات اللبنانية"، إلى التلويح بمقاطعة الجلسة إذا لم يُدرج البند الخلافي، ما يهدّد النصاب ويعيد إنتاج مشهد تعطيلٍ تشريعيّ جديد.

 

على خطٍ موازٍ، يكرّر رئيس مجلس النواب موقفًا حازمًا برفض أي "تمديد تقني"، ولو لثلاثة أيام، ويتصرّف على قاعدة أنّ مواعيد الاستحقاق ثابتة، ولذلك فهو يرفض أي تعديل للقانون اليوم، فيما يؤكّد رئيس الجمهورية تمسّكه بإجراء الانتخابات في موعدها، ولكن أيضًا بحقّ المغتربين في المشاركة. فهل يمكن القول إنّ الأمرين "متعارضان" فعلاً، أم أنّ القانون سيُعدَّل في الوقت المناسب لضمان مساواة اقتراع الداخل و لخارج؟!

 

مقاربة برّي وحلفائه

 

بمعزل عمّا يحكى عن الأبعاد السياسية التي يستند إليها بري في موقفه من تصويت المغتربين في الانتخابات النيابية، يقول العارفون إنّ موقفه يرتكز عمليًا إلى ثلاثية واضحة: عدم فتح قانون الانتخاب في جلسة تشريعية عادية، رفض إدراج اقتراحات مُعجّلة مكرّرة خارج جدول الأعمال، والتأكيد أنّ الاستحقاق سيجري في موعده من دون أي تمديد أو "ترقيع" إجرائي يربك الإدارة الانتخابية في اللحظة الأخيرة، بما يتناسب مع تبدّل موازين القوى.

 

انطلاقًا من ذلك، تبدو ممانعة الرئيس نبيه بري لإدراج بند تعديل قانون الانتخاب على جدول الجلسة العامة المقبلة، امتدادًا لهواجس "تسييس" الشتات، حيث إنّ فتح الاقتراع لـ 128 نائبًا قد يُحدث موجات تصويتٍ يصعب ضبطها في ظلّ اصطفاف الاستقطابات الحالية. وينعكس ذلك في خطابٍ يتهم المعارضين بالسعي إلى "عزل طائفة"، مع ما ينطوي على ذلك من تلميحٍ إلى توازنات حسّاسة ودوائر ذات ثقلٍ طائفيّ وسياسيّ معروف.

 

وبالإضافة إلى ما سبق، يستند هذا المعسكر إلى قاعدة "احترام المهل"، حيث يعتبر أنّ أي تعديلٍ جوهري يستدعي تحضيرًا لوجستيًا على مستوى لوائح شطب الاغتراب، أو المسجّلين، أو المراكز والقنصليات، أو عمليات نقل الصناديق، والفرز وإسقاط الأصوات على الدوائر، لا يُحبَّذ فتحه قبل أشهر قليلة من بدء العدّ العكسي لموعد الاستحقاق، خصوصًا أنّ الإدارة الانتخابية باشرت فعلاً في التحضير له، وفق ما ينصّ القانون.

 

حجج المعارضين

 

في الضفة المقابلة، تبني قوى المعارضة ملفّها على مبدأ بسيط، إذ ما دام اللبناني في الخارج مواطنًا كامل الحقوق والواجبات، فصوته يجب أن يُسقط على كامل الدوائر الـ 15 لا على ستّة مقاعد رمزية. ولذلك جاء الاقتراح المُعجّل المكرّر ليعيد صيغة 2018/2022 باعتبارها الأكثر انسجامًا مع مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الداخل والخارج. من هنا أيضًا التلويح بالمقاطعة كأداة ضغطٍ دستورية لإرغام رئاسة المجلس على إدراج البند، لكن هل يفعلها المعارضون؟

                                                                                                                   

وتعتبر هذه القوى أنّ اقتصار تصويت المغتربين على المقاعد الستّة فقط، يفرغه من مضمونه ويجعله ضعيف الصلة بالتنافس المحلي داخل الدوائر، وفي المقابل، فإنّ فتح الاقتراع لـ 128 نائبًا يجعل المغترب شريكًا في رسم الخريطة الوطنية، ويُدخل عامل "الوزن الخارجي" في المعادلة، خصوصًا مع ارتفاع نسب التسجيل في بلدان ذات كثافة لبنانية تقليدية، وربما هذا ما يجعل بعض القوى "قلِقة" ممّا يتمّ التخطيط له على الأرض.

 

عمليًا، تبقى سيناريوهات جلسة الثلاثاء مفتوحة، فمن الممكن أن تفقد الجلسة نصابها إذا ما قرّرت كتل معارضة مقاطعتها، سواء فرديًا أو جماعيًا، وهو ما من شأنه أن يؤدّي إلى تعطيل تشريعي غير منظور، ومن الممكن أن يتمّ إدراج البند في اللحظة الأخيرة، مع تكليف الحكومة بإعداد تقرير بالإمكانيات المتاحة لحسم الشكل النهائي. ويبقى السيناريو الأخير، وهو الذهاب إلى تصويتٍ يُسقط الاقتراح في القاعة، فتنتقل المعركة إلى السياسة والإعلام والشارع الاغترابي.

 

ما يرجّح أحد السيناريوهات على سواه هو عامل الوقت. فبرّي أعلن صراحةً رفض أي "تمديد تقني"، ما يعني أنّه سيستخدم سلاح المهل لحماية النصّ النافذ. مقابل ذلك، تستند المعارضة إلى "شرعية" المساواة بين الناخبين وإلى تجربة الدورتين الماضيتين عندما اقترع المغتربون للدوائر كاملة. وفي الوسط، يأتي خطاب رئاسة الجمهورية بالتشديد على "انتخاباتٍ في موعدها وحقّ الاغتراب بالمشاركة"، وهو خطابٌ يمكن توظيفه من الطرفين، فأيّهما يربح؟!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق