في زمن تتسارع فيه خطوات العالم نحو تحقيق الاستدامة البيئية، اختارت مصر أن تجعل من أحد أكبر مشاريعها الثقافية رمزًا لمستقبل مختلف، لم يعد المتحف المصري الكبير مجرد صرح أثري يحتضن كنوز الحضارة الفرعونية، بل بات نموذجًا عالميًا يجمع بين عبق التاريخ وأحدث مفاهيم الهندسة الخضراء.
رؤية عمرانية تعكس المستقبل
منذ المراحل الأولى لتصميم المشروع، جرى وضع مبادئ الاستدامة في صميم الرؤية الهندسية، ليصبح المتحف أول متحف في إفريقيا والشرق الأوسط يحصل على اعتماد دولي رفيع المستوى في مجال البناء الأخضر هذا التوجه لم يكن مجرد اختيار جمالي، بل قرار استراتيجي يهدف إلى خفض استهلاك الموارد وتحقيق كفاءة تشغيلية طويلة المدى، بما يتماشى مع رؤية الدولة للتحول نحو التنمية المستدامة.
شهادات دولية ومحلية
وحصل المتحف على شهادة «EDGE Advanced» الدولية، التي تُمنح للمباني الموفرة للطاقة والمياه والمعتمدة على مواد صديقة للبيئة. كما نال «الشهادة الذهبية لنظام الهرم الأخضر المصري» والتي تُعد من أعلى مستويات التصنيف المحلي للمباني المستدامة، ما يضعه في مصاف المشاريع العالمية الرائدة في هذا المجال.
أرقام تعكس إنجازًا
وأثبتت نتائج التقييم أن التصميمات الهندسية للمتحف حققت وفرًا في استهلاك الطاقة بنسبة 62%، وترشيدًا في استهلاك المياه بنسبة 34%، مع خفض الانبعاثات الكربونية لمواد البناء بنسبة 59%. هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات فنية، بل تعني تشغيلًا أكثر كفاءة، وتكلفة أقل على المدى الطويل، وبيئة أكثر ملاءمة لحفظ القطع الأثرية.
هندسة ذكية تحاكي الطبيعة
ويُعد استغلال الضوء الطبيعي أحد أهم عناصر التصميم، إذ جرى توزيع الفتحات والواجهات الزجاجية بشكل يسمح بدخول الإضاءة الطبيعية دون الإضرار بالقطع الأثرية، مع تقليل الاعتماد على الإضاءة الصناعية. كما جرى اعتماد نظم تبريد وترشيح هواء عالية الكفاءة، واستخدام مواد بناء منخفضة الانبعاثات، إلى جانب حلول عزل حراري متطورة تسهم في تقليل استهلاك الطاقة.
الطاقة المتجددة في قلب التصميم
ويحتوي المتحف على منظومات للطاقة الشمسية تغطي جزءًا من احتياجاته، ما يعزز من استقلاليته ويقلل من بصمته الكربونية. كما جرى دمج أنظمة مراقبة وتحكم متطورة تتيح ترشيد الطاقة وإدارة الموارد بكفاءة، في مشهد يعكس كيف يمكن للمباني الضخمة أن تكون ذكية ومستدامة في آن واحد.
حضارة الماضي.. وتكنولوجيا الحاضر
لا ينحصر تميز المتحف في مقتنياته التي تعود لآلاف السنين، بل يمتد إلى بنيته التي تجسد فهمًا عميقًا للعلاقة بين الإنسان والبيئة. فهو يجمع بين جلال الحضارة المصرية القديمة وتقنيات العصر الحديث، مقدمًا نموذجًا يمكن أن يلهم مشروعات ثقافية وسياحية مستقبلية في المنطقة والعالم.
صرح أثري.. ومعلم بيئي
بفضل هذه الرؤية المتكاملة، أصبح المتحف المصري الكبير ليس فقط بوابة العالم إلى الحضارة المصرية، بل منصة عالمية لبناء المستقبل على أسس خضراء، حيث يلتقي التراث مع الاستدامة في تجربة معمارية فريدة.
0 تعليق