إعادة تعريف «الطفل»

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الثلاثاء 21/أكتوبر/2025 - 06:50 م 10/21/2025 6:50:58 PM

لم تكن الإسماعيلية يومًا إلا عنوانًا لكل ما هو هادئ وراقٍ وجميل، أن تحدث بها جريمة قتل بكل هذه البشاعة المحيطة بملابسات قتل صبى عمره 13 عامًا على يد زميل له فى مثل عمره، هو أمر حقًا يفوق الخيال وصادم لأبعد الحدود، أيام قليلة مرت على وقوع الحادث، ولكنها ثقيلة مرعبة فى صداها على الجميع.
كانت مديرية أمن الإسماعيلية قد تلقت إخطارًا من مأمور مركز الضواحى، يفيد تلقيه بلاغًا بالعثور على جثة طفل مقطعة وملقاة بالقرب من «كارفور» الإسماعيلية، فكان أن شكلت المديرية بعد المعاينة فريق بحث لتحديد هوية الجانى وضبطه فى أسرع وقت ممكن، وكانت المفاجأة أن أسفرت التحريات الأولية أن مرتكب الواقعة طفل عمره 13 عامًا، استدرج زميله إلى منزله بمنطقة المحطة الجديدة التابعة لحى أول الإسماعيلية، واعتدى عليه بعصا خشبية على رأسه حتى فارق الحياة، ثم استخدم آلة حادة فى تمزيق الجثة إربًا، قبل أن يقوم بنقلها وإلقائها بجوار «كارفور» الإسماعيلية لإخفاء معالم الجريمة، وكان الأدهى اعتراف الطفل الجانى فى تحقيقات النيابة العامة، باستخدامه منشارًا كهربائيًا فى تقطيع جثة المجنى عليه، بل وطهى جزءًا من ساق المجنى عليه وتناول قطعة منه، متأثرًا فى هذا كله بما شاهده فى أحد مسلسلات الرعب الأجنبية!
ترصد بعناية أولًا بأول كل أو بعض تفاصيل الجريمة، فتُصدَم قبل أن يدهشك تكرار وصف «الطفل» كلما أتى ذكر الجانى، وتجد نفسك رافضًا له متابعة بعد أخرى، خصوصًا بشأن السياق القانونى للجريمة، ومصير الجانى المحترف هذا باعتباره طفلًا، كاحتمالية أن ينتهى به الأمر- على جرأة وتفكير وتخطيط وتنظيم ودقة وبشاعة ما ارتكب- بإيداعه إصلاحية أحداث أو عقابه على قدر سنه!
كلنا يعلم أن تعريف «الطفل» فى القانون المصرى هو من لم يتجاوز عمره 18 عامًا، واعتباره صبيًا مميزًا فى منتصف هذا العمر تقريبًا، تسترجع المعلومة بمناسبة الواقعة الأليمة، وتتأمل طفل هذا العصر، مقارنةً بطفل جيل أبويه، وأيضًا طفل جيل أجداده، وطفل جيلى وجيلك وأجيال أخرى سابقة، فلا تجد الحقيقة أى وجه للمقارنة يجمع كل هؤلاء الأطفال من مختلف الأجيال سوى فئة العمر، أما التكوين العقلى والنفسى فلكل طفل فى كل جيل ملامحه المختلفة والمتطورة باختلاف وتطور كل عصر، وقد اختلفت هذه الملامح اختلافًا كليًا فى عصر سطوة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حتى إن العنف نفسه اختلفت ملامحه فى هذا العصر الرقمى بامتياز، نتيجة حصار التكنولوجيا لسلوك الإنسان ومن قبل سلوكه تفكيره.
الأمر برمته يستدعى إعادة تعريف «الطفل» ليس فقط فى القانون، وإنما فى العلوم الإنسانية كافة كلٌ فيما يختص به، طفل هذه الأيام والأيام المقبلة ليس الطفل كما نعرفه، هو أكثر تطورًا وتقدمًا بجميع المعايير، والتعامل معه وتقدير أهليته ونطاق مسئوليته وقواعد محاسبته لا بد وأن تواكب تطوره، لم يعد الطفل طفلًا كما نتصور، ولو كان الأمر بيدى، لحاسبت «الطفل» الجانى مرتكب هذه الجريمة- الأكثر عنفًا من بين جرائم القتل- محاسبة الرجال البالغين، فقد فكر ودبر وارتكب وأخفى وأقر واعترف بوعى وقصد كاملى الأهلية، حتى وإن كان طفلًا فى نظر القانون!

الرحمة كل الرحمة لروح البرىء المجنى عليه، والصبر كل الصبر لأسرته وذويه ومحبيه، والعقاب أشد العقاب لمن سبق سنه فى الخروج على القانون، وانتبهوا جميعًا لأطفالكم، فقد فات بالفعل الأوان.     

ads
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق