من يملك إعلان النهاية.. حين يختلف الأطباء على تعريف الموت (1) 

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في لقاءٍ علميٍّ غير رسمي، جمعني بالصديق العزيز الأستاذ الدكتور إيهاب شاكر، أستاذ طبّ المخ والأعصاب بكلية طب قصر العيني، دار نقاش عميق حول قضيةٍ شائكةٍ تَمسّ الإنسان في لحظات الغيبوبة القصوى: قضية "موت الدماغ".

الدكتور إيهاب شاكر، وهو من العقول الواعية المهمومة بالضمير الطبي، يقف بثبات ضدّ التسليم السهل بفكرة أن توقف نشاط الدماغ يساوي موت الإنسان، مؤكدًا أن ما يُروَّج له في بعض الأوساط الطبية العالمية لا يخلو من منافع غير بريئة، تمهِّد لقبول رفع أجهزة التنفس الصناعي عن مرضى "موت الدماغ"، وفتح الباب أمام نقل الأعضاء البشرية باسم "الطب الحديث".

كنت أتابع حديثه كطبيب متخصص في طب القلب وله تجارب في البحث عن احتمالات الوظائف الجديدة غير المكتشفة عن القلب، ويدرك أن القلب لا يُخدَع بسهولة. فطالما ظل ينبض، فالحياة ما زالت تسري - ولو في صمت.

ومن هنا وجدتني أُعلن بوضوح أنني أؤيد موقفه العلمي والطبي: فموت الدماغ - في ضوء ما بين أيدينا من علم وتجارب - لا يمكن أن يُعتبر موتًا حقيقيًا للإنسان، بل هو حالة عميقة من فقدان الوعي أو الوظيفة، لا تنفي وجود الروح أو النبض أو الدفء الحيوي.

والقضية ليست طبية فحسب، بل أخلاقية، ودينية، وفلسفية، فمن الذي يملك حق إعلان "النهاية"؟ هل هو الطبيب الذي يرى موجات الدماغ تتسطح؟ أم القلب الذي يرفض التوقف؟ أم الروح التي لا تُقاس بأجهزة ولا تُرصد بمؤشرات؟

في هذه السلسلة، سأحاول أن أفتح - لا أن أغلق - باب النقاش العلمي الحر حول هذه القضية، من زوايا علمية دقيقة، وشرعية منضبطة، وإنسانية عميقة، وسأستند إلى أبحاث حديثة وتجارب سريرية، وشهادات طبية عالمية، تُعيد النظر فيما سُمّي اصطلاحًا                   بـ "موت الدماغ"، وتكشف كيف تحوّل المفهوم - في بعض الأنظمة الصحية - إلى أداةٍ لتسويغ قرارات خطيرة تحت لافتة "الإنقاذ".

فالإنسان ليس جهازًا يُفصل عنه سلكٌ ليُعلن موته، إنه كيانٌ مخلوقٌ بالروح والنَّفَس، لا يَعرف الأطباءُ بعدُ حدودهما الحقيقية.

ونبدأ بالتفسير العلمي لموت الدماغ، والذي يُعرَّف في الطب الغربي بأنه توقفٌ كاملٌ لا رجعة فيه لجميع وظائف الدماغ بما في ذلك جذع الدماغ المسؤول عن التحكم في الوظائف الحيوية اللاإرادية الأساسية مثل التنفس، ومعدل ضربات القلب، وضغط الدم، والوعي، بالإضافة إلى نقل المعلومات الحسية والحركية بين الدماغ والحبل الشوكي. كما أنه ينظم وظائف أخرى مهمة مثل النوم واليقظة، والبلع، وحركات العين، وحركات وتعبيرات الوجه، والسمع، والتذوق، والتوازن.

لكن هذا التعريف، رغم مظهره العلمي، ليس حقيقة بيولوجية مطلقة، بل هو اتفاق اصطلاحي قانوني نشأ في ستينيات القرن الماضي بعد ظهور أجهزة التنفس الصناعي، حين صار بالإمكان بقاء القلب نابضًا رغم توقف النشاط العصبي المركزي.

ومع هذا التغير، بدأت المجتمعات الطبية الغربية تبحث عن تعريف جديد للموت يسمح بوقف الأجهزة وزراعة الأعضاء، فتم نحت مفهوم “Brain Death”.

لكن العلم نفسه كشف لاحقًا أن الدماغ لا يُختزل في المخّ الكبير وحده، وأن خلايا عصبية عديدة في مناطق أخرى، منها الجهاز الشبكي وجذع الدماغ والمخيخ — قد تحتفظ بقدر من النشاط غير المرصود بأجهزة تخطيط كهربية المخ EEG التقليدية، كما أن الدماغ ليس مركز الحياة الوحيد؛ فالأعضاء تعمل بتكاملٍ ذاتي معقد لا يُختصر في مركزٍ واحد.

ولعلَّ القلب - هذا العضو الذي لم يُنصفه الطب الحديث حين جعله تابعًا للدماغ - هو من يردّ على هذا السؤال الكبير: هل حقًّا موت الدماغ هو نهاية الإنسان؟

فالقلب، بطبيعته وإيقاعه المستقل، يُثبت في كل لحظةٍ أن الحياة أوسع من المخ وأن سرّها لا يُختزل في قشرة دماغية أو جذعٍ عصبي، إنه الكيان الذي يواصل العمل بإصرار حين يظنّ العلماء أن كل شيء انتهى، فينبض رغم صمت الموجات الدماغية، وكأنه يقول للبشرية في كبريائها العلمية: «لم تمت الحياة بعد».

ومن هنا تأتي الإجابة العلمية التي يقدّمها القلب نفسه - لا في الرموز، بل في النبض - لتؤكد أن موت جذع المخ أو الدماغ ليس هو النهاية.

وعلم الأجنة يُثبت أن القلب هو أول عضو يتكوَّن ويبدأ العمل في الجنين قبل أن يتشكل الدماغ أصلًا، وهو ينبض وحده منذ الأسبوع الرابع من الحمل دون توجيهٍ عصبيٍّ مركزي، وهذا يتم قبل اكتمال خلق المخ والجهاز العصبي أصلا، فكيف يكون الموت مرتبطًا بالدماغ لا بالقلب، بينما الحياة تبدأ من القلب قبل المخّ؟ أليست حقيقة أن القلب.. أول ما يُخلق وآخر ما يموت، هي إجابة مدخليه للوصول إلى العضو المسئول في النهاية عن إعلان موت الإنسان؟

الأعجب أن القلب يستمر أحيانًا بالنبض بعد موت الدماغ لساعات أو أيام، وهو ما يدل على استقلاله الوظيفي، فإذا كان الدماغ - بحسب هذا المفهوم - "ميتًا"، فبأي منطقٍ يُستساغ القول إن الإنسان مات ما دام قلبه يواصل أداءه الطبيعي ويُغذّي خلايا الجسم بالدم والحياة؟

لقد سجّلت المراجع الطبية العالمية مئات الحالات التي تم تشخيص أصحابها بـ “موت الدماغ" ثم عادوا إلى الوعي، منها في السبعينيات حالة الشابة الأمريكية كارين آن كوينلان البالغة من العمر 21 عامًا، والتي دخلت في غيبوبة في عام 1975بعد تناول خليط من المسكنات والكحول، وتم تشخيصها لاحقًا بأنها حالة موت الدماغ، وقد نشأ صراع قانوني، بعد أن رفض الأطباء طلب والديها بإزالة جهاز التنفس الصناعي، ورفعت العائلة دعوى قضائية،  وفي عام 1976 قضت المحكمة العليا لولاية نيوجيرسي في استئناف العائلة، وسمحت بفصل كوينلان عن جهاز التنفس الصناعي، إلا أن والداها قررا عدم إزالتها من أنبوب التغذية، ونجحت كوينلان في التنفس بمفردها بعد ذلك، واستمرت في العيش لمدة تسع سنوات أخرى، وتوفيت في عام 1985 بسبب مضاعفات الالتهاب الرئوي، وليس بسبب التشخيص الأول وهو موت الدماغ.

وأيضا حالة الطفل الياباني تاكاتو آبي الذي أظهر فحوصًا تؤكد "موت الدماغ" ثم استعاد وعيه بعد أشهر، وفي ألمانيا عام 2018، نشرت دورية Neurocritical Care تقريرًا عن مريضٍ توقف نشاطه الدماغي المسجل كهربائيًا وعاد بعد ثلاثة أيام إلى استجابة جزئية.

وأنا شخصيا شاهد على ذلك، وأذكر أنه في بداية حياتي العملية، منذ ثلاثين عاما تقريبا،  كنت أعمل طبيبا مناوبا في وحدة الرعاية المركزة والحالات الحرجة بواحدة من المستشفيات الكبرى، وفي إحدى المناوبات استقبلت فتاة صغيرة تدعى (فاطمة) لم يتعدى عمرها السنوات الستة، وكانت في حالة غيبوبة تامة أثر سقوطها من نافذة منزلها من الطابق الرابع في غفلة من أبويها، حيث كانت تلعب وتلهو ثم اعتلت أريكة تحت النافذة لتطل من خلالها على الشارع فأختل توازنها وسقطت في مشهد درامي من الطابق الرابع على أسفلت الشارع،  وكانت الفتاة قد أصيبت بكسور في أجزاء متفرقة من جسدها، وكان أشدها وطأة هو شرخ في قاع الجمجمة صحبه نزيف بالمخ ومعروف وثابت في علوم الطب أن مثل هذه الحالة لا تنجو من الموت، لكن فاطمة وصلت الرعاية الحرجة وهي على قيد الحياة دون أي درجة من درجات الوعي، وتم تشخيصها من كبار الأطباء على أنها حالة (موت الدماغ)، وكنت مسئولا عن متابعتها وتنفيذ تعليمات أساتذتي من كبار الأطباء في التخصصات المختلفة والذين باشروا حالتها وسط أجواء من التعاطف الشديد مع حالة فاطمة التي بدت في غيبوبتها مثل الملاك البريء الذي يحمل وجها من وجوه الجنة تكسوه البراءة والصفاء، وكانت فاطمة الطفلة الوحيدة لأبويها ولم يرزقا بغيرها لأن الأطباء قاموا باستئصال رحم الأم عند ولادتها لإصابتها بأورام نازفة بالرحم، وهذا الحادث كان بمثابة انتحار لفكرة الأمومة والأبوة عند أبويها واغتيال الأمل في تعويضها في المستقبل.

 وكان الوالدان قد دخلا في حالة اكتئاب شديد، فقد اعتبرا أن ما حدث لطفلتيهما الوحيدة هو جراء إهمالهما في ملاحظتها وتتبعها وهي طفلة صغيرة لا تعي أفعالها وتصـرفاتها ولا تدرك خطورة ما تٌقدم عليه، لكن الشـيء الذي أدهش الجميع هو ثبات الإيمان في قلب أبويها والامتثال لإرادة الله ولم أرى تبادلا للاتهامات بينهما فيما حدث للابنة الصغيرة، بل لم أرى إلا تماسكا من الزوج بزوجته والتحاما بينهما لا نظير له في مواجهة الأزمة.

 وكان فريق الأطباء يبذل كل ما في جهده لمحاولة انقاذ فاطمة التي وضعت على جهاز التنفس الصناعي وأجريت إليها بعض التدخلات لمعالجة ما أصابها من كسور وسحجات وجروح، وظلت على فراشها بوحدة الرعاية المركزة لأكثر من عام في حالة غيبوبة عميقة ولا تستجيب درجة من درجات المؤثرات الخارجية،  وحياتها قائمة على التنفس الصناعي الكامل وبعض المحاليل المغذية والعقاقير الطبية عن طريق الوريد والتي تٌعطى لها للحفاظ على حياتها دون أدنى أمل من الأطباء في شفائها وخروجها من محنتها.

وفي صباح كل يوم وفي بداية مناوبة جديدة، كان أول ما أسأل عنه وأقوم به هو الاطمئنان على فاطمة وحالتها، وكانت الممرضة المسئولة عن حالتها تجيبني بإحباط شديد: مفيش جديد يا دكتور، ثم يتكرر ما يحدث كل يوم من مرور طبي من الاستشاريين المتابعين لحالتها، ثم تنفيذ مني للتعليمات اليومية والتي لم تتغير منذ شهور طويلة، وكان الاهتمام الأول في رعاية فاطمة هو القيام بجلسات العلاج الطبيعي اليومية حفاظا على سلامة وقوة عضلات الجسم وهيكلها العظمي وتقليبها ذات اليمين وذات اليسار لحمايتها من تقرحات الفراش، وكأن شيئا بداخلنا يؤكد أن فاطمة ستعود للحياة من جديد وأنه يجب الحفاظ على سلامة كافة أعضاء جسدها تحسبا للحظة الاستفاقة التي كانت معدومة بالمقاييس الطبية والعلمية.

 وكان تقدير درجة الوعي لمقياس الغيبوبة Glasgow Coma Scale (GCS) لحالة فاطمة هو الرقم (3)، ومقياس جلاسكو للغيبوبة (اختصارًا GCS) هو مقياس للأعصاب يهدف إلى إعطاء وسيلة موثوق بها، وموضوعية لتسجيل الحالة الواعية لشخص ما، بشكل مبدئي وأيضًا بشكل متتابع. يتم تقييم المريض وفقا للمعايير المقررة للمقياس، وتعطي النقاط الناتجة للمريض درجة بين 3 (تشير إلى عدم الاستجابة التامة)، أو أقل من 8 (حالة الغيبوبة) أو 15 (أفضل استجابة).

وهذا يعني أنها لا تستجيب نهائيا لأي مؤثرات خارجية مثل استجابة العين للمؤثرات أو الاستجابة للأصوات والنداءات أو استجابة بالحركة مع كافة المؤثرات حتى المؤلم منها، وهو ما يعني موت جزع المخ واستحالة العودة للحياة الطبيعية مرة أخرى.

 وكانت أصوات طبية تنادي برفع جهاز التنفس الصناعي عن فاطمة باعتبار أنه لا أمل في أي حياة أخرى لها، لكن هذا الأمر غير مقبول في مصـر من الناحية الشـرعية طالما أن القلب مازال نابضا، ثم أن زيارة والديها بصفة يومية لها والارتماء في أحضانها والبكاء على سريرها والدعاء والتوسل لله من أبويها لشفائها والذي لم يتوقف لحظة منذ أكثر من عام كان دافعا للتعاطف العام معها إلى الدرجة التي تبنت معها المستشفى علاج الطفلة بالمجان رغم ارتفاع تكاليف الرعاية الطبية والإقامة في وحدة الرعاية المركزة، كما تنازل كافة الأطباء عن أتعابهم، وكان التعاطف الإنساني مع الطفلة وأهلها في أوج درجاته.

ولن أنسى ذلك الصباح من أحد أيام عملي بالمستشفى، حين دخلت حجرتي كعادتي وارتديت طاقم الزيّ الطبي الخاص بعملي في وحدة الرعاية المركزة، وكان الصباح عاديًا في ظاهره، لكنّ ما حدث بعد لحظات لم يكن عاديًا أبدًا.

توجهت أول ما توجهت إلى سرير فاطمة، تلك الطفلة التي رقدت عامًا كاملًا في غيبوبة تامة بعد أن شُخِّصت حالتها بما يُسمّى “موت الدماغ”. كنت أتفقدها كل يوم كمن يؤدي صلاة الرجاء، لا يملك إلا الأمل، لكن في ذلك الصباح، توقفت عيناي عن التحديق في الأجهزة، ووقعتا على المعجزة: تحركت أطرافها ببطءٍ خافتٍ أولًا، ثم استجابت للمؤثرات الصوتية واللمسية واحدةً تلو الأخرى، وفي اليوم التالي بدأت تنفذ أوامر بسيطة، وبعد يومين فقط فتحت عينيها كأنها تُطل من وراء ستارٍ ثقيلٍ على الحياة من جديد.

وخلال أسبوعٍ واحد تمكنا من رفعها تمامًا من جهاز التنفس الصناعي، وبدأ فريق العلاج الطبيعي رحلة إعادة تأهيلها، وبعد عامٍ كاملٍ من الغياب، خرجت فاطمة من الرعاية تسير على قدميها، تبتسم لنا جميعًا وسط دموعنا المنهمرة، كأنها تُعيد إلينا الإيمان قبل أن تستعيد حياتها.         

تلك الوقائع ليست "معجزات طبية"، بل أدلة على أن تعريف الموت الدماغي لا يزال مفهومًا غير ناضج علميًا ولا يملك اليقين الكافي لإعلان وفاة إنسان.

ثم أن الاكتشافات العلمية أقرت بأن القلب.. له دماغه الخاص، وأثبتت دراسات علم الأعصاب القلبي الحديثة أن القلب ليس مجرد مضخة، بل يحتوي على الجهاز العصبي القلبي الداخلي The Intrinsic Cardiac Nervous System (ICNS)، وهو شبكة دقيقة من الخلايا العصبية داخل القلب تُنظّم وظائفه بشكل مستقل عن الجهاز العصبي المركزي، حتى لُقّب بـ "الدماغ الصغير للقلب".

يضم هذا النظام خلايا عصبية واردة (حسية) وصادرة (حركية) ودوائر محلية تنظم النشاط الميكانيكي والكهربائي للقلب باستمرار، وتتكيف مع احتياجات الجسم في غياب أي تدخل من الدماغ، فالقلب قادر على تعديل معدّل ضرباته وانقباضه وتوصيله الكهربائي وفق إشارات داخلية بحتة.

فإذا كان للقلب "عقله الخاص"، فكيف يُقال إن موته تابع لموت الدماغ وهو يعمل باستقلالٍ تام عنه؟

بل إن التواصل بين القلب والمخ ليس أحادي الاتجاه؛ فالقلب يُرسل إلى الدماغ إشارات أكثر مما يستقبل، مما يشير إلى هيمنةٍ عاطفية وفسيولوجية للقلب على المخّ، وهو ما تؤكده أبحاث Heart Math Institute التي تربط بين النبض القلبي والوعي الشعوري.

نحن لا يجب أن نتجاهل أيضا الرؤية الدينية، ومن منظورٍ شرعي، لا يُعدّ "موت الدماغ" موتًا حقيقيًا ما دام القلب ينبض والتنفس قائمًا ولو بجهاز، لأن الموت في الإسلام يُعرّف بانفصال الروح عن الجسد، لا بتوقف عضوٍ معين.

وقد أكد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في أكثر من فتوى أن مجرد توقف النشاط الدماغي لا يكفي للحكم بالموت، وأن نزع الأجهزة عن مريضٍ قلبه ينبض يُعدّ قتلًا عمدًا، أما المجامع الفقهية التي أجازت اعتبار موت الدماغ موتًا، فقد اشترطت يقينًا مطلقًا لا يتوافر علميًا إلى اليوم.

فالروح سرٌّ إلهيٌّ لا يُدرك بطبٍّ ولا بجهاز، والموت ليس لحظة كهربائية بل قرار إلهي مكتوب، قد يُؤجّل لأسبابٍ لا نعلمها.

أما الفلسفة، فهي تنظر إلى الموت بوصفه انتقالًا وجوديًا، لا توقفًا عضويًا، وإذا كان الوعي هو معيار الحياة، فإن غيابه لا يعني العدم، لأن الإنسان ليس وعيًا فقط بل كيان حيّ يحمل ذاكرة ودفء وحقوق، و"موت الدماغ" في جوهره يختزل الإنسان إلى بيانات كهربائية، ويتجاهل الروح التي بها الإنسان أصبح إنسانًا.

إن أخطر ما في هذا المفهوم أنه يُحوِّل الجسد إلى "موردٍ بيولوجي" لأعضاءٍ قابلة للنقل، ويُحوّل الموت من نهايةٍ مقدسة إلى "قرار إداري" بضغط الحاجة، وهنا تتحول الإنسانية إلى معمل، والرحمة إلى إجراءٍ قانوني بارد.

إن ما ندعو إليه ليس رفض الطبّ الحديث، بل تصحيح بوصلته الأخلاقية والعلمية، فالحياة ليست معادلةً من نبضاتٍ وإشاراتٍ كهربائية، بل روحٌ تُسري في الجسد ما شاء الله لها أن تسري.

وحيث أن "قضية موت الدماغ لا أعترف بها كدليل على الموت"، فأنا لا أنكر العلم، بل أدافع عن الإنسان... وللحديث بقية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق