في أحد أبرز الاكتشافات الأثرية الحديثة، أعلن المتحف الاسكتلندي عن نتائج مذهلة لعمليات ترميم "كنز بيبلز" الشهير، الذي عُثر عليه عام 2020 قرب بلدة بيبلز في اسكتلندا على يد الباحث عن الكنوز ماريوش ستيبين.
الكنز، الذي يعود تاريخه إلى ما بين عامي 1000 و800 قبل الميلاد، ظل مدفونًا في الأرض لأكثر من ثلاثة آلاف عام، إلى أن أخرج للنور ليكشف عن تفاصيل حضارة غامضة من العصر البرونزي.
500 قطعة نادرة لا مثيل لها
يضم الكنز أكثر من 500 قطعة أثرية، بينها سيوف وأساور وأزرار وزخارف برونزية، إضافة إلى قلادتين من الخشخاش تصدران صوتًا عند الحركة، وهو ما يشير إلى وجود حس فني وموسيقي لدى صانعيها القدماء.
ويصف القائمون على المتحف هذه المجموعة بأنها "فريدة من نوعها في العالم" من حيث التنوع والدقة والوظائف الغامضة لبعض القطع.
سرّ اللون الفضي المذهل
أثناء أعمال الترميم، فوجئ الباحثون بقطع برونزية ذات لون فضي لامع، رغم أن الفضة لم تكن معروفة في تلك الحقبة التاريخية.
تحليل العناصر الكيميائية كشف أن اللون لم يكن بسبب وجود الفضة، بل نتيجة ارتفاع نسبة القصدير على سطح القطع البرونزية.
ويُرجّح العلماء أن الحرفيين القدماء استخدموا تقنية طلاء البرونز بالقصدير عمدًا لإضفاء مظهرٍ يشبه الفضة، في دلالة على تطور معرفي مذهل في فنون المعادن.
وقال ماثيو نايت، كبير أمناء قسم ما قبل التاريخ في المتحف الاسكتلندي:
"لم أر من قبل شيئًا يشبه هذا اللمعان الفضي المدهش، إن القطع تكاد تتوهج، وكأنها تحمل سحرًا من الماضي."
ألغاز حول استخدام القطع
ما زال الغموض يكتنف وظيفة عدد كبير من هذه القطع. إلا أن بعض الباحثين يرجّحون أن جزءًا منها استُخدم زينة للخيول أو للمراكب الخشبية، وربما كان يُعبّر عن مكانة اجتماعية عالية أو رموز طقسية مرتبطة بالقوة والثروة.
كما أن وجود عناصر صوتية مثل القلائد الخشخاشية يشير إلى دورٍ احتفالي أو ديني محتمل.
أهمية الاكتشافات الأثرية في فهم الماضي
يؤكد هذا الاكتشاف أهمية التنقيب الأثري في إعادة بناء التاريخ الإنساني، إذ تكشف مثل هذه الكنوز عن تطور الفكر الإنساني والتقنيات القديمة، وتربط بين الإبداع الفني والوظيفة العملية في المجتمعات البدائية.
ويقول باحثون إن "كنز بيبلز" يقدّم نافذة فريدة على عقول الحرفيين القدماء، الذين امتلكوا معرفة معدنية متقدمة تفوق ما كان يُعتقد سابقًا.
العصر البرونزي في بريطانيا
امتد العصر البرونزي في الجزر البريطانية من نحو 2500 إلى 800 قبل الميلاد، وتميز بظهور استخدام البرونز (خليط النحاس والقصدير) في صناعة الأدوات والأسلحة.
وكانت تلك الفترة مرحلة ازدهارٍ فني وتقني، شهدت بناء الدوائر الحجرية والرموز الطقسية، وتبادلًا تجاريًا واسعًا بين القبائل والمناطق الساحلية.
إرث إنساني لا يقدّر بثمن
يحمل كنز بيبلز رسالة عميقة عن استمرارية الإبداع الإنساني عبر العصور، وعن حاجة الإنسان الدائمة للجمال والرمزية.
وبالنسبة للعلماء، فإن كل قطعة من هذا الكنز لا تمثل مجرد معدن قديم، بل حكاية منسية من تاريخ البشرية، تعود لتُروى من جديد بعد ثلاثة آلاف عام من الصمت.
0 تعليق