يعد فاروق شوشة أحد أعمدة الأدب العربي في مصر والوطن العربي، وأحد أكثر الأصوات إخلاصًا في الدفاع عن اللغة العربية وجمالياتها، شاعر ومذيع ومثقف جمع بين دفء الكلمة وعمق الفكر، عاش عمره مخلصًا للكلمة الصادقة، وسعى إلى إحياء اللغة العربية في وجدان الناس، حتى صار رمزًا للثقافة العربية الحديثة.

المولد والنشأة
ولد فاروق شوشة في 17 فبراير 1936 بقرية الشعراء بمحافظة دمياط المطلة على البحر المتوسط، في بيت ريفي بسيط تغمره القيم الدينية والتعليمية، كان والده يعمل معلمًا ويحلم أن يرى ابنه عالمًا أزهريًا، غير أن مسار الحياة قاده إلى عالم آخر، عالم الكلمة والشعر واللغة.

التعليم والتكوين
بدأ شوشة رحلته بحفظ القرآن الكريم في كتاب قريته، ثم أكمل دراسته بدمياط قبل أن يلتحق بجامعة القاهرة في سن السادسة عشرة، ويتخرج في كلية دار العلوم عام 1956، ثم نال دبلوم التربية من جامعة عين شمس عام 1957، شكلت هذه المرحلة وعيه اللغوي والثقافي، وصقلت موهبته الشعرية التي ظهرت مبكرًا.

المسيرة المهنية
بدأ شوشة حياته العملية مدرسًا لمدة عام واحد، قبل أن يلتحق بـالإذاعة المصرية عام 1958، وهناك لمع نجمه بسرعة بفضل صوته المميز وثقافته الواسعة، حتى تولى رئاسة الإذاعة المصرية عام 1994.
تولى أيضًا مناصب بارزة مثل الأمين العام لمجمع اللغة العربية، وعضوية لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، كما كان رئيس لجنة النصوص باتحاد الإذاعة والتلفزيون، وأستاذًا محاضرًا في الأدب العربي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.

شاعر اللغة الجميلة
امتدت تجربة فاروق شوشة الشعرية أكثر من نصف قرن، اتسم فيها شعره بالعذوبة والرقة، لكنه لم يفقد صلابته اللغوية أو جزالته، كتب عن الحب والوطن والإنسان، بلغة تمزج بين الموسيقى والوجدان، فكان صوتًا شعريًا مميزًا حمل روح المدرسة الرومانسية بخصوصية مصرية خالصة.
ومن أبرز دواوينه: «إلى مسافرة» (1966)، «العيون الزرقاء» (1972)، «لغة من دم العاشقين» (1986)، «هئت لك» (1992)، و«سيدة الماء» (1994)، إلى جانب دواوين للأطفال مثل «حبيبة والقمر» (1998).

صوت الثقافة في الإذاعة والتلفزيون
عرف شوشة ببرامجه الثقافية التي أصبحت جزءًا من الذاكرة العربية، وأبرزها برنامج "لغتنا الجميلة" الذي بدأه عام 1967 وواصل تقديمه لسنوات طويلة، محببًا اللغة إلى الجمهور بأسلوب شيق.
كما قدم على التلفزيون برنامج "أمسية ثقافية" منذ عام 1977، واستضاف خلاله كبار الأدباء مثل نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وأمل دنقل، ويوسف إدريس، وعبد الرحمن الأبنودي، وكان البرنامج منصة للحوار الثقافي الراقي.

مواقفه وآراؤه
لم يكن شوشة شاعرًا منغلقًا في برجه العاجي، بل كان ناقدًا جريئًا لما حوله، خاصة للإعلام المصري الذي وصفه في أحد لقاءاته بأنه "كاذب في كثير مما يقول"، مؤكدًا أنه بقي في عمله لأنه ابتعد عن "البرامج الموجهة والدعاية السياسية".
وفي أحد حواراته عام 2011، قال إن اللغة العربية لم تتعرض لمؤامرة، بل إن أهلها هم من تآمروا عليها بالإهمال وسوء التعليم، مؤكدًا أن "اللغة قادرة على استيعاب كل العلوم، لكنها تحتاج إلى إرادة قومية تنهض بها".
كما هاجم بعض المثقفين الذين وصفهم بأنهم "أصبحوا خدمًا للمسؤولين"، وعبر عن ذلك في قصيدته الشهيرة «خدم.. خدم» التي ألقاها في معرض الشارقة للكتاب عام 2015، حيث انتقد نفاق المثقفين وتخليهم عن دورهم الحقيقي.

مؤلفاته النقدية والثقافية
إلى جانب الشعر، ألف كتبًا تركت أثرًا في الدراسات اللغوية والأدبية، مثل: «لغتنا الجميلة»، «أحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي»، «أحلى عشرين قصيدة في الحب الإلهي»، و«لغتنا الجميلة ومشكلاتها المعاصرة»، وهي مؤلفات سعت إلى صون اللغة العربية وتبسيطها للأجيال الجديدة.

الجوائز والتكريم
نال شوشة تقديرًا واسعًا داخل مصر وخارجها، فحصل على جائزة الدولة في الشعر عام 1986، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1997، وجائزة كفافيس العالمية عام 1991، وأخيرًا جائزة النيل في الآداب عام 2016، وهي أرفع الجوائز المصرية في مجال الثقافة.
رحل فاروق شوشة في 14 أكتوبر 2016 عن عمر ناهز الثمانين عامًا في قريته الشعراء بدمياط، تاركًا خلفه إرثًا من الشعر والثقافة والإذاعة، نعاه كبار المثقفين العرب، ومنهم يوسف القرضاوي وسلمان العودة وجابر عصفور ويوسف القعيد، الذين أجمعوا على أنه كان "صوت اللغة العربية الذي لن ينسى".
رحل صاحب «لغتنا الجميلة»، لكنه ترك وراءه لغةً أجمل، وصوتًا ما زال يسمع كلما نطقت الكلمة العربية بصدقها وجمالها.
0 تعليق