التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" يقول إنه "في الماضي، بدت دول بلاد الشام وكأنها ترسم الطريق نحو المستقبل؛ أما في العقود الأخيرة، فقد انزلقت إلى دوامة من الفوضى والحرب الأهلية"، وأضاف: "بعد التغيرات التي شهدها العام الماضي، هل يمكن أن تكون بلاد الشام - ولا سيما سوريا ولبنان - على المسار الصحيح نحو استعادة السيادة، وبناء دول فاعلة، وتحقيق انتعاش اقتصادي؟".
وتابع: "لقد وضع النظام الحاكم الجديد في دمشق حداً ضرورياً لنظام بشار الأسد الذي أصبح نقمة على شعبه والمنطقة. يُبدي الرئيس أحمد الشرع موقفاً صائباً، ويحظى بدعم قوي من قوى إقليمية رئيسية، فضلاً عن الولايات المتحدة، لكن لا تزال هناك تساؤلات وتحديات كثيرة تعترض طريق نهضة سوريا".
وسأل التقرير: "هل سيفي السيد الشرع بوعده ببناء دولة قومية شاملة، أم سيعود إلى ماضيه ويؤسس دولة استبدادية إقصائية؟ هل سيتمكن من توحيد سوريا، أم ستنزلق البلاد مجدداً إلى مناطق متناحرة عرقياً وطائفياً؟".
وأضاف التقرير: "يحظى الشرع بدعم كبير داخلياً وإقليمياً ودولياً، ولكنه يواجه أيضاً رياحاً معاكسة قوية، فكل من إيران وإسرائيل تعارض مشروعه، وتعملان على منع سوريا من التوحد تحت حكمه؛ فيما الطوائف الكردية والعلوية والدرزية والمسيحية في سوريا متشككة - بل وخائفة - مما يعنيه صعود جماعته بالنسبة لهم؛ وقاعدة السيد الشرع نفسه - التي أوصلته إلى السلطة - ليست متفقة مع مشروعه القومي الأوسع أو مع تقاربه مع الولايات المتحدة".
وقال: "على عكس التحولات التي شهدتها ليبيا بعد معمر القذافي والعراق بعد صدام حسين، فقد أظهر العام الأول من حكم السيد الشرع بوادر تقدم. فعلى الرغم من الاشتباكات المروعة التي وقعت على الساحل الغربي ذي الأغلبية العلوية وفي السويداء ذات الأغلبية الدرزية في الربيع، إلا أن الوضع في معظم أنحاء البلاد ظل مستقراً نسبياً، حيث عاد العديد من النازحين داخلياً واللاجئين للاحتفال بسقوط نظام الأسد والبدء في البحث عن سبل لإعادة بناء منازلهم وحياتهم".
واستكمل التقرير: "على طول الساحل السوري، سحبت الحكومة الجماعات المتطرفة التي أحدثت فوضى عارمة في آذار، وأرسلت قوات وزارة الداخلية الأكثر موثوقية. كذلك، فتحت الحكومة حواراً مع المجتمعات المحلية، ونجحت عموماً في إعادة الحياة إلى طبيعتها. إلا أن المحادثات مع الطائفة الدرزية توقفت بعد انضمام قادة بارزين من هذه الأقلية إلى إسرائيل، التي تطمح للسيطرة على أجزاء واسعة من جنوب سوريا. في المقابل، استمرت المحادثات مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وتسيطر على شمال شرق البلاد، لكن من دون تحقيق أي تقدم ملموس".
وقال: "من المرجح أن يكون العام المقبل عاماً لترسيخ مكانة الشرع ونظامه الجديد، فهو يتمتع بقبضة قوية على السلطة، ودعم واسع في قلب البلاد، ودعم إقليمي ودولي قوي. في المقابل، يهتم معظم السوريين بإعادة بناء منازلهم ومصادر رزقهم، وستكون الأولوية القصوى للشرع هي استعادة الاستثمارات والحيوية الاقتصادية للبلاد. ومن المرجح أن يؤدي رفع العقوبات الأميركية، والمشاركة الفعّالة من مجلس التعاون الخليجي وتركيا، بالإضافة إلى جهود وموارد الجالية السورية الكبيرة في الخارج، إلى إعادة تنشيط بعض القطاعات الاقتصادية، مع العلم أن التعافي الحقيقي سيستغرق سنوات، بل عقوداً، وليس أشهراً".
وتابع التقرير: "في الشمال الشرقي، تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً شديدة على كل من قوات سوريا الديمقراطية ودمشق لإيجاد سبيل متكامل للمضي قدماً، لا سيما مع استمرار خطر داعش. وعلى طول الساحل الغربي، يتعين على الحكومة مواصلة التواصل مع المجتمع العلوي وتوفير الأمن الشامل والمطمئن؛ وقد تصاعدت بالفعل وتيرة النشاط في مدينتي اللاذقية وطرطوس الغربيتين خلال الأشهر الماضية".
وأضاف: "لا تزال دمشق تواجه تحدياً كبيراً من إسرائيل في الجنوب، على الرغم من أن الولايات المتحدة تشجع كلا الجانبين على مواصلة محادثاتهما المباشرة هذا العام. ويُعدّ إحراز تقدم في هذه المحادثات ضرورياً لتجنب نزاع مسلح واسع النطاق العام المقبل، ولإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، وللمساعدة في إيجاد حل إيجابي لمطالب الدروز".
واستكمل: "إذا واصل السيد الشرع الدفع في الاتجاه الذي يدعي أنه يدفع به، وبإشراف ودعم من أصدقاء سوريا الرئيسيين، فقد تشهد البلاد توطيداً وتقدماً تدريجياً في العام المقبل".
ماذا عن لبنان؟
التقرير ينتقل للحديث عن لبنان، ويقول إن "المخاطر لا تقل أهمية"، وقال: "لقد أدى تدمير حزب الله وانهيار نظام الأسد العام الماضي إلى ظهور سلطة تنفيذية قومية وإصلاحية جديدة في لبنان هذا العام، بما في ذلك رئيس جديد ورئيس وزراء وحكومة جديدة".
وتابع: "يُكمل الجيش اللبناني المرحلة الأولى من خطته الوطنية للانتشار: فقد بسط سيطرته العملياتية على جنوب البلاد (المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني) بعد غياب دام أكثر من أربعين عاماً، حيث قام بنزع سلاح حزب الله هناك. كذلك، استعاد الجيش السيطرة على جزء كبير من الحدود اللبنانية السورية، والمطار، والمرفأ".
ومما جاء فيه: "يرفض حزب الله، بدعم وإصرار من الحرس الثوري الإيراني، نزع سلاحه، مما يزيد من صعوبة مهمة الجيش. ومع ذلك، يعيد الجيش ترسيخ سيادة الدولة في جميع أنحاء البلاد وفق خطة مرحلية، لكنه لا يزال يسعى لتجنب مواجهة مسلحة مباشرة مع حزب الله، لما قد يترتب عليها من خطر الانزلاق إلى صراع طائفي وحرب أهلية".
ورأى التقرير أن "إسرائيل تُصعب مهمة الحكومة اللبنانية برفضها الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار المُبرم في تشرين الثاني 2024، ورفضها الانسحاب من أي أراضٍ لبنانية محتلة أو وقف القصف اليومي"، وأضاف: "يأتي هذا على الرغم من اتساع نطاق المحادثات اللبنانية الإسرائيلية المباشرة الساعية إلى إيجاد حل تفاوضي للبلدين".
وتابع: "يحتاج الجيش في العام المقبل إلى دعم عاجل من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لمواصلة استعادة سيادة الدولة في جميع أنحاء البلاد. وعلى الصعيد الدبلوماسي، تحتاج الدولة إلى مساعدة دولية للضغط على إسرائيل للانخراط مع لبنان وتمكين عودة سلطة الدولة في البلاد بدلاً من عرقلتها".
وقال: "أيضاً، تحتاج بيروت إلى مساعدة دولية للضغط على إيران لقبول نهضة الدولة اللبنانية، وحث حزب الله على إنهاء وضعه كميليشيا ونزع سلاحه، كما فعلت جماعات لبنانية أخرى في الآونة الأخيرة عندما نزعت سلاحها واندمجت في الدولة. في نهاية المطاف، فإن قرار تسليم الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله قرار لا يمكن اتخاذه في بيروت، بل في طهران وحدها".
وختم: "لقد شهدت سوريا ولبنان تحولات سياسية جذرية خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، لم تشهدها البلاد منذ عقود، في حين أ، مصيرهما متشابك. ورغم أن مساراتهما لا تزال محفوفة بالتحديات والمخاطر، إلا أن لديهما فرصة لإعادة بناء الأمل بمستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً، وهو ما يحتاجه شعباهما بشدة، وسيكون ذلك بمثابة مكسب للمنطقة بأسرها".










0 تعليق